خلال لحظات كأس العالم الاخير في قطر .. انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لتجمعات عربيه هنا وهناك وهم يتابعون بحماس مجريات النتائج النهائية لمباريات منتخبات عربية وهم في حالة ما بين فرح ونشؤة إنتصار وبين خوق وقلق ويأس تام عن المستوى الذي يقدموه لاعيبوا المنتخبات العربية .. انتهى كأس العالم وساد الكثير من المتابعين اليأس والإحباط فيما أولت له نتائج المباريات ( مع التحفظ لما قدمه المنتخب المغرب وصعودة الى المربع النهائي ) لكن موجة الإحباط أتت حينما ارتفع منسوب أمل الانتصار في بطولة لأول مره تُقام في أرضً عربية ..
نشعر بالغضب بسبب أبسط الهزائم من واقع عربي مُحبط، مليء بالفشل الذي أتقناه حد الإبداع، حد التميز بين الأمم فصار مقرونا بنا.
الكاتب
أعجزت أمام تغريدة لأحدهم يقول فيها “من حقنا نفرح”، أدركتُ تماماً أن حديثه لم يكن بداعي “الثقة العمياء في قدرة منتخبات العربية على حوز الانتصار ” بل كان في استيعابة مدى البؤس الذي عاشه طيلة حياته طلباً بمعجزة أن يحظها بها في حياته تعبر عن مدى انتصاره وقدرته على وضع مكانته أمام الأمم.
نشعر بالغضب بسبب أبسط الهزائم من واقع عربي مُحبط، مليء بالفشل الذي أتقناه حد الإبداع، حد التميز بين الأمم فصار مقرونا بنا. فحالة اليأس والإحباط ما هي إلا انهيار أمام عجز صناعة أي انتصار أو تحقيق أي انجاز عربي كبير وفي أي مجال. الفكرة لا تكمن في هزائم وهمية تُسجل بالنهاية أرقاماً في أرشيف مؤسسة رياضية محلية أو عالمية تقرأُها فيما بعد أجيال المُهتمين بالرياضة، الفكرة هي أننا نعيش سلسلة من الهزائم في كل المجالات الواقعية في كل حقيقة من حقائق الحاضر التي تقول أننا “متخلّفون” وستقرأنا الأجيال اللاحقة في أرشيف “بؤساء الأمم”..!
قد نقدر أحياناً وفي حاضرنا اليوم لا نُقدم للعالم مشهدا واحدا يليق بخيارتا بين البشرية . نكاد لا نقدم شي إلا في لغة واحدة هي “الانهزامية” قد يتجلى الانهزام في دواخلنا وفي بيوتنا وفي شوارعنا وفي أوطاننا، مهزومون في كل شيء. نعم ماذا قدمنا كأمة عربية للعالم اليوم؟ قدمنا الكثير ففي العلم مزيدا من الجهل وفي السياسة اختلاف وفي الاجتماع تخلّف وفي الإنسانية قتلٌ ودمار وفي الاقتصاد دروسا عالمية في الفساد والهدر وفي الرياضة ” كمالة عدد” وحتى في الفن لدينا افلام ومسلسلات مترجمة !
نتداول في الكثير من الاحيان المثل الشعبي “ما أسخف الصلعاء التي تتباهى بشعر جارتها” ، فكم تتغنى الشعوب العربية بنماذج شعوب أخرى نهضت واستفاقت وحرّكت عجلة الإصلاح والتنمية، خرجت من وحل الفساد ومستنقع الظلم، طبقت القانون وحققت العدالة، ونسينا أنفسنا كنموذج مُعتل بين الأمم ونحن المتشدقون الذين صنعناه..! ولم نكتفي بذلك بل أصدرنا الاحكام، هؤلاء عملاء هؤلاء متآمرون هؤلاء كفرة هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار ! لدينا العديد من نظريات التآمر من شرق العالم لغربه وكل أنواع التفرقة التي فرضناها على أنفسنا نحن، نعم نحن كلنا شركاء في الهرولة نحو القاع، القاع الذي لا يمتلئ إلا بنا، نحن المؤامرة ونحن السبب ونحن العلاج فقط.
لماذا نعيش كل هذا الإحباط، وكل هذه المآسي والهزائم، أليس من حقنا أن نفرح ولو بانتصار وهمي على طواحين الهواء على الأقل؟!
الكاتب
عبارة الإصلاح أكثر الألفاظ استعمالاً في لغة العرب اليوم. وقد غدا معنى النهوض بؤرة الاستقطاب في حديث الناس من شُذاذ الآفاق إلى وجهاء الناس. وما أسرع الخيبة إلى نفس المتفائل حين يكتشف زيْفَ هذا الحديث ، فالنهوض عند بعضهم تقرير لواقع بينما الواقع يروي قصة الغفلة والدجل والغرور. وهو في عُرف بعضهم الآخر مجرّد أمنية اختلّ أساسها ومُسَّ لُبابها فقامت إما على عنصر الاستغلال السياسي وإما على نزعة التقليد العفوية بإزاء خضم التقدم العالميّ .
فالإصلاح العربي لن يتحقق إلا حين تتحول فكرة النهوض إلى إرادة وتلك بديهةُ إذ أن حدوث الأمور مرهون بأن يُراد ، والملاحظ في الواقع العربي هو أنّ الافتقار إلى هذا الشعور بالذات هو السبب العميق في عدم تكوّن إرادة النهوض: فلا وجود لشعورٍ أو إيمان صميم بالحاجة إلى النهوض ما دامت فكرة النهوض وصفاً كاذباً للحاضر أو صورة عاطفية خاوية تُستعمل كأداة سياسية خادمة أو سلعة تقليدية منغلقة في مضمار العمل القومي.
لماذا نعيش كل هذا الإحباط، وكل هذه المآسي والهزائم، أليس من حقنا أن نفرح ولو بانتصار وهمي على طواحين الهواء على الأقل؟! بماذا يختلف الأفريقي القادم من صحارى الفقر وسهول الحرمان الجافة حتى يقاتل ويبدع ويقدم نفسه للعالم كحالة إبداعية فريدة تستحق الاحترام؟! أما نحن فخائفون مذعورون وكأننا نقف عُراة بين الأمم؟!
بين هيمنة القديم بكل ترسباته المتموضعة في الذاكرة الاجتماعية المهيمنة من جهة ونزعات الانفتاح والتحرر من أوزار القديم وانغلاقه، انسجاماً مع مجتمع توّاق إلى التقدم والانطلاق نحو تحولات ثقافية وحضارية شاملة ليتشكل من خلالها إحتياجنا الى الاحتفاء وإبراز محاسن الإنجاز كبوارق أمل لشعوب تاقت نفوسها الى لذة الانتصار