البحثُ عن انتصار ما زال جارياً..
في الأوان الاخيرة من العمر، كنت وما زلت ابحث عن أي مُنجر لشباب او شابات عربيات هنا وهناك على الصعيد العلمي او المهني او الفني او الريادي حتى ابْتِهج بشدة كنشوة انتصار طال انتظارها ، أراقب بشدة محطات الاعلام ومنصات الرقميات لأي ظهور عن خبر لإنجاز عربي حصل في بلد ما بعيداً عن تلك الصفحات القاتمة السوداء لحروب عبثية هنا وهناك ،
افتش بعمق عن أسماء الباحثين الأكاديميين والمخرجين لبعض الإنجازات الفنية والعلمية لعلَّ عيني أن تقعّ على ارتباط ثقافي وهوياتي الى لحن أسم عربي يكون بين الحضور ، افرح كالطفل الذي يتلقى هدية حديثة من والده حين اسمع عن شاب من اليمن العربي قد قُلد منصب مهم في أحد المؤسسات العالمية المرموقة، أو حصل على شهادة تقدير وفخر لإبتكار بذل بجهده الخاص مشقة الإنجاز، لا أكاد أن انتهي من تقبل المعلومة والبحث عن مصداقيتها الا وأشاركها للزملاء الاجانب بكل فخر وأعتزاز وكأن الإنجاز إنجازي والفرحة فرحتي والعرس عرسي.
سئمنا أسباب المعوقات وكأنها شيفرة وراثية لا يمكن المساس بها، فننتظر الطبيعة والزمن لتغييرها وتثور إحباطاتنا وتصرخ ثم نعاود الكرةَ للتغيير بلا نتيجة
فريق مُثلث
هناك طاقات مكبوتة ترغب بإعلان الفوز بإنجازاتها ، طاقات تريدُ الاحتفال بدلاً من البكاء وقراءة جنازات الاقتتال، سئمنا الهزيمة في كلّ محاولة للتغيير إلى الأحسن ، سئمنا أسباب المعوقات وكأنها شيفرة وراثية لا يمكن المساس بها، فننتظر الطبيعة والزمن لتغييرها وتثور إحباطاتنا وتصرخ ثم نعاود الكرةَ للتغيير بلا نتيجة .
ما زلنا متشبّثين بالحلم ولا نستطيع قراءةَ الواقع بدقة، قراءةٌ دقيقةٌ للواقعِ المؤلمِ تعني انسلاخاً شرساً مؤلماً عن أحلامنا الجميلة ونسرح في الخيالِ للانتقال إلى واقعٍ آخر مختلف، نبحثُ في العلامات المدرسية وصولاً للجامعة مع العلم المسبق والمُحزن أنّها لن تنطلق لتصنع الأحلام ولكننا نفرح ونصفّق ونبكي لأي إنجاز عادي وبسيطٍ- وهذا حقنا، فالإنجازات البسيطة في ظل هذه الشيفرةِ الوراثيّةِ السلبية انتصارا وتجعل الحلم أقرب إلى الحقيقة.
نقد الذات المقارن وزيفُ الإنتاج ..
عبارة الإصلاح أكثر الألفاظ استعمالاً في لغة العرب اليوم. وقد غدا معنى النهوض بؤرة الاستقطاب في حديث الناس من شُذاذ الآفاق إلى وجهاء الناس. وما أسرع الخيبة إلى نفس المتفائل حين يكتشف زيْفَ هذا الحديث ، فالنهوض عند بعضهم تقرير لواقع بينما الواقع يروي قصة الغفلة والدجل والغرور. وهو في عُرف بعضهم الآخر مجرّد أمنية اختلّ أساسها ومُسَّ لُبابها فقامت إما على عنصر الاستغلال السياسي وإما على نزعة التقليد العفوية بإزاء خضم التقدم العالميّ ،
فالإصلاح العربي لن يتحقق إلا حين تتحول فكرة النهوض إلى إرادة وتلك بديهةُ إذ أن حدوث الأمور مرهون بأن يُراد ، والملاحظ في الواقع العربي هو أنّ الافتقار إلى هذا الشعور بالذات هو السبب العميق في عدم تكوّن إرادة النهوض: فلا وجود لشعورٍ أو إيمان صميم بالحاجة إلى النهوض ما دامت فكرة النهوض وصفاً كاذباً للحاضر أو صورة عاطفية خاوية تُستعمل كأداة سياسية خادمة أو سلعة تقليدية منغلقة في مضمار العمل القومي.
شعور بالنقص عن الكم والكيف والفجوة التي حدثت بين عصور حضارتنا العربية والاخرى تلك الاجنبية، عن المساهمات الحديثة والابتكارات القيمة التي تغذي الجسد والعقل البشري بكل أطيافه وابعاده، عن ماذا لو اختفى العالم وبقينا نحن لوحدنا نصارع احترابنا وأختلافنا ويأكل القوي منا الضعيف، عن تلك الرفوف العلمية والإرشادية اليتيمة بالخطوط العربية والكتابات الفلسفية، عن تلك المساحات والخطوط الانتاجية الخالية من الصناعات العربية سوا بعضاً من التمر والعسل والحليب المجفف،
شعور بالنقص عن الكم والكيف والفجوة التي حدثت بين عصور حضارتنا العربية والاخرى تلك الاجنبية، عن المساهمات الحديثة والابتكارات القيمة
الكاتب
عن ماذا يمكن أن يَفقد العالم عند اختفى معالمنا وتكويننا البشري، فتش لأي صناعة ومجال مهني اليوم لترى الحجم الانتاج الاجنبي من مؤسسات ريادية كبرى تجوب العالم بعدد من المواد الضخمة تحشد الالف من المبتكرين والمهنيين دون ان تلاحظ علامة تجارية ريادية منافسة منشأة بأيدي عربية سوا القليل من القليل. أخذ جولة مع شاب من فرنسا او الصين او اليابان او كوريا او الهند وتتحدث عن مساهمات التشييد في أحد المدن لتعرف حجم غياب العامل العربي مقابل عدد الاركان والمواد المستوردة من بلده وإنجاز انسانه، لتشعر بحجم تعاسة مجتمعاتنا وإصغار عقولنا ونجاح حكوماتنا في إفساد قدراتنا.
تسطيح مفاهيم الإنجاز وتجريد الافكار من قيمها
في الاعوام الاخير ، طفحت على الساحة العربية الإنجازات الفقاعه ، عن ترندات الاحداث والفعاليات ، عن المؤتمرات ذات اللون الازرق المُشبع بالحيوية وصوت الاعلام المزهرج ، عن أسواء حقبة معرفية تمر بها المجتمعات العربية عن تسطيح المفاهيم وتجريد الافكار من قيمها عن تلك المجموعات البشرية التي تريد أن تغزو الفضاء دون أن تألف كتاباً علمياً معرفياً رصين لعلوم السماء أو معرفة مكونات تصنيع غذاء الرواد الى الفضاء،
وعن اخرى تريد أن تكون مركز حضاري عربياً بأمتلاكها مؤسسات اعلامية كبرى دون أن ترى الوجود العربي بين أزقة مدنها واسطح مكاتبها المدنية والرسمية، عن تلك التي تُزيف الإنجاز وتدفع بقية المجتمعات الى العمل على بناء مدن اللحظات من الزمان، تتقاعس بها قدرات المجتمعات وتخلق بها سردية الوصول الى المستحيل دون البداية الحقيقية، الى الاحتفاء بالإنجاز دون العمل به ، الى استهلاك الافكار دون إنتاج تصوراتها، فتثبط همم المجتمعات وتكتفي ان تكون مُدنهم اسواق كبرى لعرض المحاصيل والصناعات.
يتبع .. قتامة المشاهد وبؤس الخيال ..