تتجه الحرب في اليمن نحو عامها السابع، ونتائجها الملموسة الوحيدة حتى الآن هي التدمير التدريجي للبلاد وشعبها.
إن العواقب على ملايين اليمنيين المحاصرين في هذا الصراع المروع ليست هي الوحيدة التي تحتاج الى وقفة مراجعة للإنسانية جمعا . بل إن الخسارة التي لحقت بالعالم لأجزاء من التراث المعماري اليمني الذي لا يقدر بثمن ليست سوى جزء أخر من الكارثة النامية التي تواجه هذا البلد المأساوي والجميل.
في العصور القديمة، كانت اليمن موطنًا لعدة حضارات مزدهرة. تم تطوير ما لا يقل عن ست ممالك هنا من القرن الثاني عشر قبل الميلاد فصاعدًا
فريق مُثلث
ظاهريًا، يقاتل من أجل استعادة حكم الرئيس اليمني المخلوع عبد ربه منصور هادي، الذي فر إلى السعودية في أعقاب استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014. تهدف الحرب أيضًا إلى إحباط خطة إيران المزعومة لنشر سيطرتها في جميع أنحاء اليمن باستخدام المتمردين الحوثيين كوكلاء. ( وهي أسوء أسطوانة لسردية حرب يمكن تفسيرها بأنها الأكذب في العصر الحديث بعد غزو أمريكا للعراق ” بهدف نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق ووقف دعم صدام حسين للإرهاب وتحرير الشعب العراقي ” وفقًا للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير )
لكن الضراوة العشوائية للهجوم على اليمن لا يمكن تفسيرها بهذه الدوافع المفترضة. لماذا كان من الضروري قصف البلاد مرة أخرى إلى العصر الحجري واستهداف مدنييها، وضمان عدم تعافيها لمدة قرن ؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب على المرء أن يفهم التاريخ العربي والمكانة الصغيرة للدول القائدة للحرب.
الحضارات المزدهرة ..
في العصور القديمة، كانت اليمن موطنًا لعدة حضارات مزدهرة. تم تطوير ما لا يقل عن ست ممالك هنا من القرن الثاني عشر قبل الميلاد فصاعدًا، ومقرها في معين وقطبان وحضرموت وأوسان وصبا وحمير. كان أبرزها المملكة السبئية، التي استمرت لمدة 11 قرنًا وكانت واحدة من أهم الممالك في الشرق الأدنى.
الأسطورة الشعبية تعرفها على ملكة سبأ، ومملكة سبأ مذكورة في القرآن. كانت عاصمتها في مأرب، حيث بنى السبائيون سدًا عظيمًا كان أعجوبة للهندسة القديمة. طوروا نظام ري متقدم من خلال شبكات القنوات وثروة من الأراضي الزراعية.
بحلول عام 700 قبل الميلاد، كان السبائيون قد نشروا حكمهم على معظم جنوب الجزيرة العربية. كانت الحضارة الرائعة التي خلقوها قائمة على تجارة التوابل في اللبان والمر، والتي توسعوا من خلال شبكات التجارة التي وصلت إلى الصين والهند والشرق الأدنى. لتسهيل تجارتهم، قاموا ببناء سلسلة من المستعمرات على طريق البحر الأحمر إلى الشرق الأدنى، وكانوا يسيطرون على مخرج باب المندب إلى المحيط الهندي والقرن الأفريقي. تم العثور على بقايا الفن والعمارة السبئية في أماكن بعيدة مثل شمال إثيوبيا.
مع ظهور الإسلام، لعبت القبائل اليمنية دورًا رئيسيًا في الفتوحات العربية في مصر والعراق وبلاد فارس والشام. بحلول القرن الثالث عشر، كان اليمن يتمتع بثقافة إسلامية مزدهرة، إلى جانب العديد من المدارس الدينية ومراكز التعلم الإسلامي. مع ذلك جاء تطوير بنية مميزة تستند بالكامل تقريبًا إلى مواد البناء المحلية، الفريدة في المنطقة العربية. مدينة صنعاء القديمة، التي يعود تاريخها إلى القرن المسيحي الأول، هي مثال رئيسي..
ضرر لا يمكن إصلاحه ..
على عكس هذه الإنجازات اليمنية الأسطورية، ما الذي يجب أن تقدمه الدول العربية في الشمال – الشرق من الجزيرة العربية، التي يشكل معظمها ممالك الخليج الحديثة، والتي يمكن مقارنتها عن بُعد ؟ حتى وصول الإسلام في القرن السابع، كان هذا الجزء من الجزيرة العربية يحكمه تقليديًا زعماء القبائل، ومعظمهم معزولون وغامضون، وبالتالي لم يكن من الممكن أن ينافس ممالك اليمن. حتى بعد الإسلام، لم يتم خلق روائع الحضارة الإسلامية في شمال الجزيرة العربية، ولكن في الخارج.
على الرغم من كونه بناءً حديثًا في تجسيده الحالي، إلا أن اليمن غارق في التاريخ. أمام دول التحالف والتي معظمها هي إنشاء حديث أكثر شمولاً، تأسست فقط في الثلاثينيات من القرن الماضي، لديهم القليل من التاريخ أو الثقافة السياسية والحضارية التي يمكن أن تحمل شمعة للحضارات التي تهدر حربهم بالقنابل.
إذا كان الأمر كذلك، فإن محاولة محو اليمن من الوجود لن يحذف ماضيه المجيد، ولن يمنح الدول الحديثة ما لم يكن لديها من قبل.
فريق مُثلث
كانت الأضرار المادية التي لحقت بالبنية التحتية لليمن – مدارسها ومستشفياتها وأسواقها – شديدة، لكن على الأقل يمكن إعادة بنائها في وقت يسوده السلام. لا يمكن قول الشيء نفسه عن الضرر الذي لا يمكن إصلاحه الذي لحق بالهندسة المعمارية التاريخية لليمن. وثقت اليونسكو الآثار المدمرة للحرب على البلدة القديمة في صنعاء ومساجدها وحماماتها ومنازلها المبنية من الطوب الطيني بنوافذها المميزة المقوسة المؤطرة بالجبس.
حدث الشيء نفسه لمدينة صعدة القديمة، وسد مأرب القديم، ومدينة براقش التاريخية، ومقابر حضرموت القديمة التي لا يمكن الاستغناء عنها. هذه الخسائر دائمة
كمثال غير مبرر لسد مأرب، الذي كان أحد عجائب الهندسة في العالم القديم. كانت مأرب عاصمة مملكة سابا القديمة، التي اشتهرت بأنها موطن ملكة سبأ، والتي ازدهرت خلال الألفية الأولى قبل الميلاد. نجا السد تقريبًا لأكثر من 2000 عام قبل أن تضربه القاذفات الحرب في إعوام الحرب، وهو عمل غير مبرر.
«انهارت بعض الجدران، واحترقت الطوب». «البوابة الجنوبية دمرت بالكامل». من الصعب الآن الوصول إلى المنطقة بسبب القتال اليائس الأخير، لكن التقارير تقول إن أنقاض المدينة القديمة تعرضت أيضًا لأضرار جسيمة.
عند مسح هذه الدرجة غير المتناسبة من الموت والدمار، يجب على المرء أن يتساءل عما إذا كان الدافع الحقيقي لحرب اليمن، تمامًا مثل عداء وحسد عميق الجذور لعظمة مكانة هذه الدول في تاريخ البشرية.
إذا كان الأمر كذلك، فإن محاولة محو اليمن من الوجود لن يحذف ماضيه المجيد، ولن يمنح الدول الحديثة ما لم يكن لديها من قبل.
