تشكلت لدينا حالة من جدل فور الإعلان عن أي عمل فني، فيلم أو مسلسل، يظهر فيه المتطرفون دينياً، أمثال تنظيم “داعش” المعروف على مستوى العالم كتنظيم إرهابي متطرف، فما إن يُعرض الإعلان الدعائي للعمل “البرومو” لينتج خلاله جدل مكرر من البعض إتهاماً صناع العمل بتشويه الدين الإسلامي والإساءة إليه. ( مع التحفظ للبعض من مؤسسات الإنتاج الإعلامي العربي والإجنبي بدسم السم في العسل ).
لكن ما يزعج هنا هو الظهور السريع والرد العنيف قبل مشاهدة العمل أو حتى عرضه على الشاشات، هناك دائماً أصابع اتهام موجهة ناحية أي عمل يُظهر التطرف الديني كمشكلة إجتماعية دينية، وهناك دائماً حالة من الإنكار، دائماً ما نسمع من يؤكدون أن مصطلح “التطرف الديني” مصطلح وهمي ابتكره البعض لكي يستطيع محاربة الدين الإسلامي وأن أي مراجعة ولو على المستوى العلماء او المجددين هو نزع هيبة الدين من الفرد.
تبقى صور الإرهاب من سمات العصر الراهن في الوطن العربي الموصول بشتّى أنواع الشتات والتخريب، وبمختلف أشكال العنف الناتجة عن التطرف
فريق مُثلث
مراجعة وقراءةً لبعض تعليقات على موقع التواصل الاجتماعي ، أتأكد أن كثيرين متصالحون مع التطرف غير رافضين له، فكثيرون يرون أن لا أزمة في أن تحكمنا جماعات متطرفة تحرم كل وسائل الترفيه وتفرض علينا أي قيود، لا أزمة في أن يحكمنا من يرى أن مشاهدة التلفاز حرام شرعاً، حتى لو كنا سنشاهد نشرة الأخبار، فالجهاز نفسه حرام، وربما يسمونه بدعة، ويمنعونه بحجة أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
هذا النوع من الاراء يؤكد أن التطرف الديني موجود فقط في الأعمال الفنية الموجهة لخدمة أغراض معينة وتطبيق أجندات أهل الشر، ودائماً ما تصيبني الدهشة من هؤلاء الذين يريدونا أن نعمي أعيننا عما يدور حولنا ولا نرى أن التطرف الديني موجود في الواقع، ولذلك من المنطقي أن يظهر لنا على الشاشات، وأعتقد أننا بمختلف طبقاتنا وثقافاتنا قابلنا ذلك الشخص المتشدد الذي يحرم مشاهدة مباريات كرة القدم أو الأفلام أو ممارسة أي نشاط ترفيهي.
تبقى صور الإرهاب من سمات العصر الراهن في الوطن العربي الموصول بشتّى أنواع الشتات والتخريب، وبمختلف أشكال العنف الناتجة عن التطرف الذي يحيلنا على العلاقة التي أضحت ملتبسة أكثر فأكثر بين الدين والفن، مع التأكيد أن الإرهاب كردّ فعل سلبي مُدَمِّر، لا يعود إلى الدين في حد ذاته، بقدر ما يعود إلى طرائق التدين وكيفيات قراءة وتأويل النص الديني.
بطبيعة الحال، لا يعقل أن ينحصر التطرف في الإسلام، بقدر ما ينحصر في جذور فكرية توحد نمط تفكير المتطرفين في رؤية أحادية يتم من خلالها تقييم الناس والحكم عليهم بنزعة إقصائية، بغض النظر عن انتماءاتهم الأيديولوجية والمذهبية والدينية، كما أن الإرهاب لم يكن يوما حكرا على عرق أو دين. والتاريخ البعيد يدلنا على كثير الممارسات الإرهابية (مثال محاكمات التفتيش الإسبانية، وأحكام اليهود السفرديم على مسلمي الأندلس بعد سقوط غرناطة في 1592 وإجبارهم على اعتناق النصرانية)،
ربما يكون الرأي هنا صادماً بعض الشي، ، خصوصاً هؤلاء الذين يرون أنفسهم متفتحين لا تكفيريين، ولكني أقول الرأي بناءً على ما نشاهده في الواقع وليس على الشاشات، أقول الرأي وأنا أعرف جيداً أن كل المتطرفين لا يجدون أنفسهم متطرفين، هم يرون أنهم يطبقون الشريعة ويفعلون ما أمر الله به وينهون عما نهى عنه.
نظرة مستحقة
بعض طرق العلاج النفسي والتي يتم اللجوء إليها أحياناً من قبل بعض المختصين لبعض الأفراد هو طريقة (العلاج بالصدمة) حيث يحتاج الفرد إلى صدمة بقول أو فعل أو إجراء أو نظام جديد ليفيق وينتبه لسلوكياته وتصرفاته وأفعاله ومن ثم يعيد حساباته ويستعيد توازنه ويستيقظ من غفلته ويعود الى رشده وصوابه. فالعلاج بالصدمة يأتي أحيانًا لأننا نصدم من بعض الأوضاع في بعض الجهات والتي لا يمكن قبولهاز
أن الموجات الإعلامية المتكررة ماهي الا جزء من العلاج بالصدمة الذي يُعد ضرورياً لتطوير الحياة الثقافية والاجتماعية وضرورية أيضاً لكبح التطرف، وهي محاولة لإعادة تطبيق الممارسات التي طبقت في عصر النبي الكريم عبر أكثر الأدوات تأثيراً في العصر الحديث كمثال عندما يكون لديك جسد مصاب بالسرطان في كل أعضائه، سرطان الفساد، عليك استخدام العلاج الكيماوي، وإلا فإن السرطان سيلتهم الجسد.
خطورة التطرف الديني لا تقل عن خطورة المخدرات أو غيرها من الظواهر السلبية التي عبرت عنها شاشات السينما والتلفزيون
الكاتب
إن غالبية المجتمع العربي اليوم تعرف تماماً بأن أي إصلاحات لابد أن تتضمن تغييرات وأن بعض هذه التغييرات قد تكون صادمة بل ومؤلمة للبعض خصوصاً ممن تعوَّد على أوضاع معينة لعشرات السنين، غير أن هذه التغييرات تبقى ضرورية وهامة ولا مفرَّ منها لتحقيق التطوير والتنمية المنشودة كما قال الشيخ سلمان العودة ” نعم أتغير لأنني لو كنت أقول وأنا في الأربعين ما كنت أردده وأنا في العشرين ، فمعناه أن عشرين عاماً من عمري ضاعت سُدى “
خطورة التطرف الديني لا تقل عن خطورة المخدرات أو غيرها من الظواهر السلبية التي عبرت عنها شاشات السينما والتلفزيون، ولكننا نجد دائماً الهجوم على الأعمال التي تعبر عن ظاهرة التطرف الديني الموجود في الواقع.