شكلت معضلة نبتة القات من صورة منبوذة لمتعاطي النبتةّ داخل دور ومجالس خفية وسرية الى إشهار عام وشامل لفنانين ومثقفين ومسؤولي سلطة كانوا الإبرز في تقديم وجه اليمن كدولة وشعب وأمة وحضارة متصلة بإبعادها التاريخية العريقة.
للإطلاع على كامل الفكرة .. الرجوع الى المقال السابق : الرمزية العائقة .. نبتةّ القات
التصور الرافع في هذا المقال هو تأثير تعاطي القات على الهوية اليمنية كأحد إزمات الفرد العربي اليمني مع محيطة الثقافي والحضاري العربي، وكأحد أوجة المشوهات الصورية والجمالية للفرد البشري من منظور الاتصال الحضاري مع ماضيه وحاضره ومستقبله المتصل بمسميات عميقة وكبيرة المرتبطة بالتأصل في الوجود العربي.
تبدو مسألة الهوية في انتعاش وصعود مستمرين، وبشكل خاص مع تسارع التواصل الإلكتروني، الذي بضغطة زر واحدة، وصورة أو مقطع فيديو مرفق مع الخبر
فريق مُثلث
إن آفة نبتةّ القات لا يقتصر إشكالها في مساوي جوهر معضلاتها الإقتصادية والاجتماعية والصحية وفقط، كمثل المنشطات الاخرى ( الهيروين والمخدرات بكل أنواعها ) بل يتعدى الأمر الى شكل وصورة تعاطيه واستخدامه المفرط في مضغة داخل الفم بصورته المقززة للمظهر العام للفرد، وقد يأخذ الامر زمنه من ساعتين الى أكثر من أربع ساعتين كحد أدنى لبلوغ النشوة المحفزة الناتجه منه، وهو بذلك يترتب على متعاطية نمط الحياة المستسهل والمرتبط بوجدانه داخل سلوكياته في المجتمع.
فالصورة الثقافية والنمطية المترتبة من التهاون في تعاطيه على مستوى الإفراد وعجز المؤسسات الرسمية من الحد في انتشاره مع الشلل التام في استحداث البرامج الترفيه المقابلة للنشاط والحركة الشبابية ساهمت في إبراز تقبل الأمر بين جميع الفئات المجتمعية وعزز من الغاء الجمال للسلوكيات الحضارية للبلد والمجتمع اليمني والتي لا يختلف اثنين – داخل اليمن وخارجه – على انه اصبح هوية ورمزية اليمن المرتبطة بثقافته وحضارته.. مع الأسف. بل أصبح من الغريب جداً أن يُقال عليك أنك من اليمن ولم تتعاطى نبتةّ القات بعد.
لا يخفى على المتابع الرقمي اليوم والمستخدم للإجهزة الالكترونية الصغيرة ( داخل اليمن وخارجه ) من مشاهدة مناظر الفنانين والشباب اليمني – عبر المقاطع الصغيرة ومنصات اليوتيوب – وهو يتباهى بتعاطي النبتةّ كأحد المُسّلمات الترفيهية لوجدانه وثقافته داخل اليمن بل خارجه بعض الاحيان، والمرتبطة بسلطته القانونية والتشريعية دون رقابة وتقييد ثقافي يساهم في محو ماهو غير منتسب للارض والمجتمع اليمني كهذه النبتةّ.
تبدو مسألة الهوية في انتعاش وصعود مستمرين، وبشكل خاص مع تسارع التواصل الإلكتروني، الذي بضغطة زر واحدة، وصورة أو مقطع فيديو مرفق مع الخبر، من الممكن حصد ملايين التعليقات والآراء المتناقضة. فالهوية تفترض تطابق تصورات معينة مع نصوص وممارسات سابقة لها، تتحول لسلوكيات لا يمكنها أن تخرج عنها، بل من الضروري أن تمشي في مسارها وتتخذ من نصوصها وقنواتها مسلكًا لها. فهي بهذا المعنى لا تستوعب الغيرية، ولا تقبل بالهامشي أو بما هو خارج المركز، مركز تصوراتها ومعتقداتها. وهذا ينطبق على الهوية بالمعاني المختلفة: الثقافي (وهو المسيطر بشكل كبير)، والعرقي، والتاريخي، وغيرها من صور الهوية المختلفة.
لا يشكل الحضور الجمالي لمتعاطي القات خطرًا على الهوية، وبشكل خاص في حضرموت والمناطق الوسطى، إذا أخذنا في الحسبان الوجود الجماعي من مواطني أصحاب المصلحة من جهة، والتنوع الرغبوي الداخلي الذي يحظى به الإفراد من جهة أخرى.
بل إن الخطر يأتي في سياق التفاعل الاجتماعي بين الأصوات الرافضة والأصوات المحفزة للفعل ذاته، من سطوة وهيمنة أصحاب القرار لتضخيم وتوطين ثقافة التعاطي على الأصوات الأخرى، بفعل امتلاك هذا الصوت للكثير من السلطات المختلفة، التي تجعله أحادي التوجه من جهة، ومهيمنًا على التصورات الأخرى من الجهة الأخرى. الأمر الذي يعني توفير الأدوات السهولة والإعتيادية لنشره على أقصى إتجاهاته الثقافية والإجتماعية والإقتصادية.
جودة الحياة للحد من الزحف الكارثي
يتفق الجميع على أن الحرب والضغوط النفسية وندرة أماكن الترفيه، جعلت من الشباب عرضة لممارسة هذه الظاهرة والتمسك بها، متجاهلات بذلك كل الآثار الصحية والاجتماعية، باحثات عن أجواء تخفف عنهم ما يواجهنه من معاناة. الإ أنه يبقى تحت لافته المشكلة والمعضلة الثقافية مفادها أن تعاطي القات ليس سرطاناً عائقاً في تحول اليمن الى مركز حضاري عربي كبير ، ويمكن لنا كدولة ومجتمع -إذا وجدت الرؤية- أن نقتلع القات يومًا من رؤوسنا.
أن احداث اي تحول لتنفيذ برنامج نهضوي لقطاع الثقافة يتطلب بدوره تعزيز جودة الخدمات في صناعة الهوية الحضارية بصورة مستمرة وبعلاقة طردية نحو تطوير منظومة تعليمية وتدريبية لمجال الثقافة. أننا هنا نشير الى الرغبة بالاهتمام الرسمي بالمبادرات المعنية بتحسين جودة حياة الافراد من خلال تهيئة واستحداث مجموعة من الخيارات المتنوعة في جميع القطاعات، وتعزيز مشاركة الفرد والمجتمع في الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية، والتمتع بحياة صحية مفعمة بالنشاط، وتطوير مناطق حضرية أكثر ملاءمة للعيش، وابتكار قطاعات واعدة ومشوقة جديدة، توفر الفرص الاقتصادية والاستثمارية، وتساهم في تنويع فرص العمل، وتحسين الحياة في جميع المدن اليمنية والتي تهدف بالإساس والعمل المباشر للحد من انتشار ظاهرة التعاطي الى الاستثمار في تنمية مشاريع الترفية المقابلة والمعززة لحياة الفرد مابعد القات. عبر برامج جودة الحياة .
بناء بيئة تنظيمية لازمة تهدف الى دعم وابتكار خيارات جديدة تُعزّز مشاركة افراد المجتمع والزائرين في الأنشطة الرياضية والسياحية والفنية والثقافية
فريق مُثلث
علينا ان نعي ان بناء اي استراتيجية نهضوية لأي قطاع ما، تتطلب لها هناك القاعدة الاستباقة القابلة الى تبني جزئيات أهداف المشروع، ولأن الثقافة أصبحت خياراً إقتصادياً وإجتماعياُ مهماً فقد أصبح من المهم أن تواكبه ويوازره الوعي السياحي والإعلامي، فمفهوم الثقافية السياحية – الإعلامية معنوياً هو امتلاك أفراد المجتمع القدر من المعارف والمهارات والمفاهيم والاتجاهات والقيم التي تمثل في مجملها الخلفية المناسبة لكي يسلك سلوكاً حضارياً ترويجياً رشيداً نحو كل المشتملات والمظاهر الثقافية.
وعلية فأن اعمال جودة الحياة المرغوبة تتضمن حزمة من البرامج التطويرية والتحسينية للانشطة الترفيهية المباشرة وغير المباشرة ذات الصلة بقطاع الثقافة والفن من خلال بناء بيئة تنظيمية لازمة تهدف الى دعم وابتكار خيارات جديدة تُعزّز مشاركة افراد المجتمع والزائرين في الأنشطة الرياضية والسياحية والفنية والثقافية والأنماط الأخرى الملائمة التي تساهم في تعزيز جودة حياة الفرد والأسرة الحاضرة بالبيئة اليمنية ، عبر توليد الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتعزيز مكانة مدن اليمن في ترتيب كأفضل المدن العالمية بالاضافة الى الاسهام بتحسين المشهد الحضاري في المدن لتعزيز مكانتها كوجهات سياحيةً عالميةً.
المحافظة على تراث اليمن الإسلامي والعربي والوطني والتعريف به وتحسين المشهد الحضري في المدن اليمنية بدعم الارتقاء في جودة الخدمات المقدمة في المدن اليمنية حتى تحسن الظروف المعيشية للزوار لتجد حينها مجتمعًا حيويًا تستشعر فيه سمات الاستمتاع بالحياة والشعور بالتفاؤل والرضا يمد جسور التعاون والتبادل الثقافي مع العالم وأستعادة مكانة اليمن الحضارية على المستوى الأقليمي والدولي.
إذ سيسهم هذا التحول “جودة الحياة “ في تحسين وإثراء حياة الفرد والمجتمع، عبر تمكينه للنشاطات الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية، دافعًا المجتمع إلى المزيد من الازدهار وأبقى اليمن خارج الفكرة الدخيلة والكارثية على حضارته ومكانته القوية المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل.
يمن بلا قات ..بلدًا رائدًا ومتطورًا يفخر كل مواطن بالانتساب إليه.