قتامة المشاهد وبؤس الخيال ..
راجع المقال : البحثُ عن انتصارٍ ما زال جارياً..
يحزنني جداً عندما أرى نظرة العطف وقيام حفلات العون والدعم عبر مؤسسات أجنبية واخرى فردية تطوعية كبرامج ترف معنوية تقدمها لمجتمعات عربية منكوبة او متضررة، وفي قرارة نفوسهم لو الامر بيدهم لتمنوا اختفاء تلك التجمعات البشرية التعيسة والمكلومة من الوجود، يعلموا جيداً عن زيادة محولات الفشل في أفشى السلام بين فرقا الصراع في الوطن العربي ، ومضاعفة أحجام الدمار والانهيار لمؤسساتهم الحكومية والمدنية، وإسرافٌ في هدر الممتلكات وتطويق حظهم من الخيرات،
وتضييقُ للحريات لإحداث تحوّل في الإبتكارات والإنجازات، عن وطن عربي – شرقي وغربي – على وشك الانهيار التام بأيدي عربيه تخرب بيوتها دون رادع ولا وازع يوقف سلاسل الانحدار، تسلم رقاب شعوبها الى النهايات من الوجود الحضاري للانسان، فَتعصِفهم بأزمات اخرى تلو الاخرى لتعبث بقدراتهم وطاقاتهم حتى تستنزف كل ذرة إرادة في نفوسهم تطالب بحق لحقّ الركب التنافس الانساني والحضاري.
تعيش الكثير من دول العالم أوضاعا سياسية واقتصادية واجتماعية بائسة لأسباب أبرزها فشل الحكام، لكننا نعيش بعالم عربي في وضعيته الخاصة
فريق مُثلث
وأما في وطني الحبيب ( اليمن الكبير ) فهناك قصص عبثية اخرى من عبث العابثين ذوي الاستخفاف ، جنت حكوماتنا على قلائد النجاح في الاستمرار بتدمير مقدرات الاوطان ، وحصد أكبر قدراً ممكن من الارواح الشابة وتشريد الملايين الاخرى الى دون أمل أو احتمال، زُيفت الحقائق وأختلقت سرديات حروب قاتمة تضعف النفوس وتهزم الجمع، وتفننُ في رسم إهانات وبصمات عار ستلاحقنا للعشرات من قادم الاعوام لن تمحيها عزة أجيال طوال، مشاهد قاتمة نراها بإستمرار على شاشات العرض والاخبار حتى اعتدنا على الا نسمع ونرى غيرها من مُفرح النشرات، وكأنه قدر لنا الا نعيش بنصيب لا بأس به من الفخر بالإنجاز وخلود الافراح، فنحظى من نكد الدنيا أن نعيشَ لنشهدَ اندثار دولتنا وتعفّن الجثامين من رموزها.
تعيش الكثير من دول العالم أوضاعا سياسية واقتصادية واجتماعية بائسة لأسباب أبرزها فشل الحكام، لكننا نعيش بعالم عربي في وضعيته الخاصة، فالصراعات لا تستثني، تقريبا، أياً من دوله. الشعوب في الداخل منقسمة على نفسها بأشكال متباينة، بعضها يعيش عنفاً متبادلاً، وبعضها يعاني عنفاً نظامياً ضد الشعب أو فئة منه ، بل إن معظم الدول تتصارع مع جيرانها، أو تعتدي عليها بأشكال مختلفة، وبعض الحالات شهدت عدواناً صريحاً، وبعضها عرفت تدخلات متباينة، صريحة أحياناً وخفية في معظم الأحيان، تلك ملامح البؤس العربي الذي يظل نموذجاً ظاهراً لما يمثله الفشل دون سواه، إنها متوالية قميئة من الجهل والغباء والقهر والخوف والتضليل والسعي نحو المجهول.
بداية النهاية لواقع مؤلم
على غرار تصور المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ والإنسان الأخير التي خلص فيها إلى فكرة مفادها أن النظام الرأسمالي الليبرالي الغربي يشكل مرحلة نهائية في التطور العقائدي للجنس البشري، أي أن الوصول إلى هذا النظام هو نهاية التاريخ، يشي غرق المشهد العربي الحالي في دومة التشرذم وحالة التيه على نهاية التاريخ في بلوغ البؤس، فأعلى مراتب البؤس هي ما تعيشه الشعوب العربية اليوم ، حيث لا يمكن تصور بؤس آخر أشد وطأة مما هو عليه الآن في المنطقة العربية. ففي الحقيقة ليس ثمة واقع بئيس ينتظرنا أكثر مما نعيشه الآن وكل ذلك يجعل من استشراف مراكز التفكير بالمستقبل تفسر الحالة العربية، حيث إن واقعها يسابق الزمن باتجاه البؤس الأخير.
احتفاء يرسم ملامح نقطة تحوّل حديثة لبداية جديدة تستأنف عربيتنا قوام مجدها وعلو شأنها كما أمرها ربنا
الكاتب
بين هيمنة القديم بكل ترسباته المتموضعة في الذاكرة الاجتماعية المهيمنة من جهة ونزعات الانفتاح والتحرر من أوزار القديم وانغلاقه، انسجاماً مع مجتمع توّاق إلى التقدم والانطلاق نحو تحولات ثقافية وحضارية شاملة ليتشكل من خلالها إحتياجنا الى الاحتفاء وإبراز محاسن الإنجاز كبوارق أمل لشعوب تاقت نفوسها الى لذة الانتصار ، والشعور بالمدد حين تضعف الجيوش للدفاع، الى الاعتزاز بكل محاولاتنا وتقلباتنا، الى الاحساس بالوجود والبقاء والدوام بين الامم، الى الصمود والخلود ، الى السعي حتى تحلو الحياة لنا ولأجيالنا.
احتفاء يرسم ملامح نقطة تحوّل حديثة لبداية جديدة تستأنف عربيتنا قوام مجدها وعلو شأنها كما أمرها ربنا ، تنطلق بعزم لحتمية الحفاظ على قيمُ ورسالة إنسانيتنا، عزمٌ نيراً يُراعي مراقبة الواقع بعين العلم وحازماً متجرداً من أية آثار للعاطفة القومية إلاّ ما جعل لهذه العاطفة باعثاً له فقط.