-
19يونيو2025

اليمن .. سياسة مُثقلة وحلمُ كبير

يبقى اليمن الديمقراطي الفدرالي الخالي من العنف والاستبداد حلمًا ينبغي ألّا يتنازل عنه اليمنيون

سعيد باحشوان

في أعواد يمانية من مُثلث

استمع على منصتك المفضلة

اليمن .. سياسة مُثقلة وحلمُ كبير

يبقى اليمن الديمقراطي الفدرالي الخالي من العنف والاستبداد حلمًا ينبغي ألّا يتنازل عنه اليمنيون

سعيد باحشوان

في أعواد يمانية من مُثلث

استمع على منصتك المفضلة

إنّ تعثّرات وإخفاقات ما قبل الوحدة شكّلت أرضية متينة لما بعدها من عثرات وإخفاقات على مختلف الصعد. كان للإخفاق السياسي الذي رافق عملية إجراءات إعلان الوحدة، الدورُ الأبرز في مجمل الإخفاقات والتعثرات على كافة المستويات الأخرى، باعتبار أنّ السياسة وكلّ ما يرتبط بها من إجراءات تتعلّق بتهيئة الوضع العام وترتب مناخات الانتقال السليم والموضوعيّ إلى فضاء الوحدة، تعمل على صياغة نظام إدارة الدولة بمقتضى الإصلاحات التي يجب أن تكون منطلَقًا وأساسًا راسخًا لبناء نظامها السياسي.

الذي بدوره سيحوز مجمل قواعد الفعل السياسي اللازمة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتنموي الشامل وغيرها، على قواعد التوازن متعددة الأبعاد والأطر كتوازن السلطات، مثلًا، وتوازن القوى، التي تبدأ من مستوى التوازن الاجتماعي القائم على توازن أدوات القوة ذاتها، المتمثّلة بقوة السلاح، تساويًا، أو تجريدًا للجميع. هذا بديناميكيّته، سيؤسّس لتوازن فوقيّ على المستويين الاقتصادي والسياسي؛ كفاية وعدالة في الإنتاج والتوزيع للأول، ومطلق الحق للجميع مشاركة في السلطة والمسؤولية بمستوياتهما المختلفة، من مجلس القرية، وحتى رئاسة الدولة للثاني.

فريق مُثلث

تحل ذكرى الثاني والعشرين من مايو في كل عام وقد تآكل من رصيدها الكثير في حياة اليمنيين، بسبب حالة الحرب والتمزق والفوضى التي تلف البلاد.بدت الوحدة لليمنيّين قبل ثلث قرن (22 مايو 1990)، أشبه بطوق نجاة مأمول، من ارتدادات موجة المتغيرات الكبرى التي بدأت تجتاح العالم وما رافقها من أزمات بنيوية عاصفة داخل الكيانات الواحدة، ورأوا في اندماج سلطتين سياسيتين متناقضتين في الظاهر، خطوةً وطنية يمكن البناء عليها.

رفع الوطنيّون والتقدميّون اليمنيّون، ومن مدينة عدن شعار: اليمن الديمقراطي الموحد، في خمسينيات القرن الماضي، وتبلور المشروع الحضاري لحلم اليمن الديمقراطي الموحد لاحقًا، في أدبيات الفقيد عبدالله عبدالرزاق باذيب ورفاقه، وتجذّر المشروع ونضج بالتدريج في أدبيات القوى التقدمية، وسار على نفس النهج المثقفون الاشتراكيون وفي مقدّمتهم الفقيدان عمر الجاوي وأبوبكر السقاف وثلة كبيرة من المثقفين في الجنوب والشمال، وتحول هذا الحلم إلى نهج سياسي لنظام الحكم في الجنوب، وصار مطلبًا شعبيًّا لليمنيين، شمالًا وجنوبًا.

وكحدث تاريخي عظيم، استشعر اليمنيّون الفخر والاعتزاز بمنجز تحقيق الوحدة، وكانت مصدرًا للنهوض السياسي والاجتماعي، وتسيّد الروابط السياسية والوطنية التي حلّت محل الروابط العصبية؛ الأمر الذي أقلق القوى التقليدية ودفعها إلى الانخراط في الأحزاب السياسية مع الإعداد للانقضاض على المشروع الحضاري المتمثّل في الوحدة، وهو المشروع الذي به تحقّقت مصالحة بين اليمنيين في الشمال والجنوب، ووفّرت شروط الشراكة المتكافئة بين شمال اليمن وجنوبه كوحدتين سياسيتين، قامت عليهما الوحدة ولن تستمر إلا بهما.

ولعل مما يتفق عليه اليمنيون شماليون أو جنوبيون وحدويون أو انفصاليون هو أن الوحدة اليمنية هي أكبر منجز تحقق لليمن في العصر الحديث بعد قيام الجمهورية، وبرغم كل ما شهدته الفترة الانتقالية التي تلت إعلان الوحدة في ٩٠ من مشاكل وحوادث وخلافات بين قيادة الشطرين، وما تلى ذلك من إندلاع الحرب في أبريل ٩٤ فقد بقي للوحدة اليمنية ألقها وحضورها في أوساط قطاع واسع من الجنوبيين، وبقيت الآمال معقودة على أن يتم الحفاظ على كل المكتسبات التي تحققت مع الوحدة والبناء عليها للوصول ليمن مستقر ومزدهر.

فريق مُثلث

في الحقيقة أنّ الوحدة نشأت متعثرة في الأصل، بفعل الإرث الثقيل الذي راكمه النظامان، شركاء الهروب إلى الوحدة، بغية التخلص من محمولات ذلك الإرث. النظامان التشطيريّان اعتقدا أنّ الوحدة ستكون بمثابة ملجأ يفران إليه لتجاوز إخفاقاتهما، وقارب نجاة يقيهما حالة الانهيار الوشيكة التي كانت تحدق بكليهما، ولذلك عبروا الواقع إليها بخُطَى غير مدروسة، مثقلين بجل العوائق والصعاب وكل الفشل الذي صاحب حكميهما لدولتَي ما قبل الوحدة، أضف إلى ذلك أنّ كلا النظامين كانا متربصين ببعضيهما، وهذا كله كان كفيلًا بأن يفجرها من الداخل، ويتوجها بحرب ضروس، شكّلت بابًا للولوج إلى الفرقة والشتات الذهني والوجداني لليمنيّين،

وعلى الرغم من مأساة التمزيق، ومن السلطات الاستبدادية الغالبة بالسلاح والعصبية، يبقى اليمن الديمقراطي الموحد الخالي من العنف والفقر والاستبداد حلمًا ينبغي ألّا يتنازل عنه الوطنيون اليمنيون، وعلى الأخص المثقفون اليمنيون .. اليمن الديمقراطي مشروع لا يتوقف عند الوحدة فقط، ، وإنّما الوحدة مقرونة بمشروعها الحضاري: الشراكة في السلطة والثروة، والشراكة المتكافئة بين الجنوب والشمال، والدولة المدنية بمقوماتها الأساسية: التحديث والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

وذلك بتوفير شروط مغادرة النفق المظلم والأليم الذي جرَّد اليمن المشطر والموحد من قوته، وحجَّم دوره الإقليمي والدولي، وجرّده من عوامل القوة الحضارية والثروات المتوفرة والموقع الجيوسياسي الفريد كبوابة للشرق إلى أوروبا والربط بين قارتَي آسيا وأفريقيا، والتخلص من الفساد وإحلال تعايش المصالح والرؤى المختلفة محل الاستئثار والإقصاء، وتوسيع المشاركة في الحكم والتنمية، والاستفادة من عوائدها، وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للسلطة والثروة من خلال لا مركزية الحكم، هذا هو المشروع الحضاري للوحدة اليمنية،

إنّ ما ورد في مخرجات الحوار الوطني الشامل ومسوَّدة دستور اليمن الاتحادي مجرد فكرة في الخيال، وهو قول ليس خاطئًا، لكن الفكرة هي من تصنع المستقبل، ولنا قدوة في آبائنا المؤسسين لفكرة المشروع الحضاري للوحدة اليمنية: يمن ديمقراطي موحد، فعندما طرحوا الفكرة كانوا قلة تتمتع بالخيال المبدع، وناضلوا من أجل هذا الحلم في ظلّ ظلام دامس، وتسيد الجهل والفقر والمرض وحكم نظام كهنوتي متخلف في الشمال وسلطات مشيخات بعثرت الجنوب إلى قطع صغيرة وجعلت اليمن بلا وزن بين الأمم.

الكاتب

لكن مشروعهم تحقّق بتحرير الجنوب من التبعية الاستعمارية وتوحيده في جمهورية اليمن الديمقراطية، وتحقّق على مستوى اليمن في قيام الجمهورية اليمنية على أسس الشراكة والديمقراطية والمواطنة المتساوية وحقوق الإنسان، أذ أن خيار اليمن الاتحادي الديمقراطي هو خيار لواسع جماهير شعبنا اليمني في جنوبه وشماله، وسيكون النصر حليف هذا الخيار، وإن بدا متعثّرًا بفعل الانقلاب الذي بإنهائه واستعادة مؤسسات الدولة، والعودة إلى العملية السياسية وحل كافة القضايا السياسية، وفي مقدّمتها القضية الجنوبية- سيتحقّق مشروع اليمنيّين الحضاري.

شعبياً بقيت الوحدة حاضرة كمكتسب وطني كبير في ضمير الشعب اليمني شمالاً وجنوباً، ولكن الأخطاء المتكررة من النخب الحاكمة أو الساعية للوصول للسلطة فتحت المجال لقوى الخارج والداخل لاستغلال كل ماجرى من أخطاء والدخول من خلاله وتبني مشاريع مختلفة .. إن غياب القيادة القوية للبلاد وضعف أو تلاشي مؤسسات الدولة وسيادتها يفتح المجال لتهديد كافة المكتسبات الوطنية وليست قضية الوحدة فقط ..

ولايزال أبناء اليمن يتساءلون هل تعي النخب السياسية ما يجري في المحيط العربي وما ينعكس على واقعنا اليمني من تجاذبات وصراع مصالح وكيفية الحفاظ على بلادنا وسط كل هذا، أم يستمر النظر للبلاد من منظور المصالح الضيقة حزبية أو مناطقية أو شخصية لتطول هذه الأزمة الكارثية إلى أجل غير مسمى ؟

اقتباس مؤجز

ولايزال أبناء اليمن يتساءلون هل تعي النخب السياسية ما يجري في المحيط العربي وما ينعكس على واقعنا اليمني من تجاذبات وصراع مصالح

مكتب مُثلَث

اقتباس مؤجز

ولايزال أبناء اليمن يتساءلون هل تعي النخب السياسية ما يجري في المحيط العربي وما ينعكس على واقعنا اليمني من تجاذبات وصراع مصالح

مكتب مُثلَث

إشَارَات وإطلاعات

المزيد من المقالات

تمكنت المقاهي من تحقيق نجاح غير مسبوق تقريبًا في مجال ريادة الاعمال

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع : 19 دقيقة

خطورة التطرف الديني لا تقل عن خطورة المخدرات في الاعمال الدرامية

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع: 19 دقيقة

النهوض عند بعضنا تقرير لواقع بينما الواقع يروي قصة الغفلة والدجل والغرور

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع : 18 دقيقة

حضور المرأة اليمنية في المجال العام يعدّ مقدمة طبيعية لتلك الظواهر القيادية

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع: 19 دقيقة

إن وقت سفك الدماء هو الزمن المثالي، لإدخال التغيير الرئيسي في أسس المنظومة الاقتصادية.

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع : 25 دقيقة

أعتقد أن هناك حاجة عاجلة وضرورة زمنية ومطلب جيلنا، نحو تحسين الوجه الحضاري للهوية اليمنية

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع: 19 دقيقة

نقوم بإعداد المزيد من الإثراء

في عالمنا العربي وفي وضعيته العالمية الخاصة، فالصراعات لا تستثني، تقريباً، أي دوله.

مدة الاستماع: 18 دقيقة

مُنتج من مُثلث

من بداية المنتصف من العمر حيث ازمة العشرينات، حيث النهاية لكل ما مضى والبداية لكل ما سيأتي

مدة الاستماع: 20 دقيقة

مُنتج من مُثلث

أن العامل الثقافي يظل ذا سلطة أخلاقية معنوية قوية على الآخر، داخل بلاده وخارجها.

مدة الاستماع : 23 دقيقة

مُنتج من مُثلث

لم يكن لدى عبدربة رؤية للمنطقة الاستراتيجية الحيوية التي يتمتع بها اليمن في الشرق الأوسط

مدة الاستماع : 26 دقيقة

مُنتج من مُثلث

نقوم بإعداد المزيد من الإثراء
مُثلث / منصة الإثراء العربي

أهلًا بك رفيقاً لنا في مُثلث

ستصلتك رسالتنا الأولى الى بريدك الإلكتروني على الفور . تحقق من صندوق البريد العام الخاص بكم لتتمكن من الإطلاع على صيغة إشتراكّ .. إذا لم تجدها ابحث في رسائل SPAM وتأكد لتُحرريها لصيغتها الرسمية حتى تتمكن إستلام أشعارتنا وجديدنا باستمرار.
اذا لم تتمكن من إستلام اي رسالة إشتراك.
تواصل مع فريقنا المختص على : hala@muthalth.net

"باقة حالمة، وفريدة من نوعها، ومدروسة،
ودائمًا ما تكون مبهجة في بريدي الوارد."

مالك اسحاق