تنوية : التدوينة تحتوي على كمُّ لا بأس به من الطاقة السلبية، فضلها لربما تحتاجها يوما ما حتى تعيد توازنك مثلي.
كان يجب علياْ أن اتوقف منذ اللحظة التي شعرتُ فيها بأن هُناك ثمةً خطبٌ ما
لم أكن أرغب منذُ مُدة أن أخط هذا العمود الكتابي الملئ بموجات اليأس والاحباط، العريض بوقفات الصمت القاتل، والانتظار للغيب المجهول، لولا لحظة اعلان الاعتراف بالهزيمة في وقت سابق قريب من اليوم. تراودني شخصياً فكرة أن لكل شي نهاية ونهاية السعي للوصول هو الاستسلام والخضوع للامر الواقع، حيث البداية، بداية الاختيار الخطأ لكل شي خلف، ثم العودة من خطوات مُكلفة نحمل في رحلتها تعب الطريق كله منذ البداية، تتعاقب على مشقة التفكير وقفات الانهيار دون غيرها، والبحث عن مخرج من هذه الورطة القاسية، ورطة الوصول الخيالي للعالم الفانتازي الذي وضعت نفسي فيه دون غيري، بين العمل على تحقيق إنجاز لكل شي، والفشل في تحقيق كل شي.
عن فترة زمنية عصيبة مليئة بالفشل وسوء الحظ، بالرفض وعدم القبول، بالانتظار الى غير معلوم، بالعجز لفعل أي جديد، والكسل للتكرار والمحاولة
الكاتب
فشلٌ فسر معناه الغياب عن التدوين فترة طويلة .. التدوين الذي كان بالنسبة لي عالماً أخر حينما أهرب من مصارعة الظروف والبعد عن ضجيج الازمات. فأشدُ الرحال الى كهف الكتابة والملاحظة للافكار والخواطر والتعقب للاحداث .. ( البعض منها نُشر والكثير لم ينشر بعد ) فقد كانت نصيحة كل العارفين – فالكتابة سيف وعلاج إن جنبته تزييف الكلمات، وإن تجاسرت وتشجعت على كشف أفكارك أمام ذاتك -. ولكن مشكلة التدوين عن تجارب شخصية صادمة هي توثيق الضعف، وهذا العالم لا يرحم الضعف. ونحن حسبنا من الذين يوضع أنفسهم في مواضع يسمعون فيها عبارات التعاطف.
عن فترة زمنية عصيبة مليئة بالفشل وسوء الحظ، بالرفض وعدم القبول، بالانتظار الى غير معلوم، بالعجز لفعل أي جديد، والكسل للتكرار والمحاولة المئوية، بتكبل الجوارح وعطل التفكير، للخلود والبحث عن الفراغ وعدم الصراخ، حتى الذين هم ممن حولي توجسوا مجالستي خوفا أن يصيبهم بعض من نحس حياتي، فترة قاتمة أكاد اقضي جُل ساعاتها بين تلك الورقات التي اصبغ عليها بحبر الرسم الاسود، وشرب فناجين الشاي الاحمر حتى بعد المنتصف من الليل، ثم المسلسلات في الشاشة العريضه من دون علم لبداية ولا نهاية، لا لشي سوا مراجعة نفسي في تأخير خبر الإخفاق والإنفلال النفسي، في رهان على ساعات كانت هي أيضاً ليست رحيمه.
ما بين الصلابة وتكاثف الهشاشة …
لربما كنت فخوراً في وقت سابق بقدرتي على التحمل، لكنني أجزم بأنني تعرضت تدريجياً لشرخ أحسبه من العمق ما استشعر تصاعد الهشاشة بعده, كسوّسة تنخر في صلب العظام دون ألم. اخبار سلبية مُجحفة عن أمور هنا وهناك تتصاعد بلا توقف، مشكلة بسيطة في العمل، معوقات هينة تستطيع النفاذ إلى مزاجك ونفسيتك فتتسبب في تسارع نبضات القلب، تشد من وتر القلق تاركة للأفكار السوداوية أن تعزف ما تشاء من ألحان. لم أكن أعلم حجم ما يمكن أن يحمله شعور شاب مقبل على الحياة وهو يترنح بين هذه المشاعر وتلك الصدمات بين هذا الكم من الرفض وعدم القبول وبين التزاماته وإقدامه للمستقبل.
عطب بالداخل من النفس أفقد الاتزان، أو شيء تهشّم فما عاد يشير إلى وجهة، وأظنّه الشعور بالأمان. الامان المستقبلي .. تنهض من سريرك، تتجه لعملك، تعود لمنزلك، ، تقابل المعارف وتصادف الغرباء، تمارس ذلك بشكل طبيعي وبدون تفكير لأنك تشعر بالأمان، مثلما لا تفكر بالأوكسجين وأنت تتنفسه تلقائياً. عندما تفقد ذلك الشعور، يصعب عليك فعل الكثير دون العفوية المعتادة فقط هو الانغماس في المهمة والنظر بالتواجد في العمل بكثافة وهو خطاً أحمراً لا يمكنني الحياد عنه أو الوقوف دونه، الانهماك فيه ما هو إلا هروبُ من التفكير بما حدث وما سيحدث ومنفذ من السلبية المتراكمة.
على نَفَاد العشرينات …
في سابقة هي في أمرهِا، من بداية المنتصف من العمر حيث ازمة العشرينات وشفا نهايتها، حيث النهاية لكل ما مضى والبداية لكل ما سيأتي، بين التنظير والتنفيذ ، بين الانجاز والفشل، بين الخروج من مربع المراهقة ( وفي قرارة نفسي اننا وغيرنا من من يعيش في اليمن لم يعيشوا تلك المرحله من حياتهم ) الغير مسؤولة، الرافضة لمواجهة العالم والمنعزلة بمحيط الهِوايات الناعمة، وبين مسار الحركة الشبابية الواعية المليئة بالالتزامات والمسؤوليات الاجتماعية والعائلية والوطنية في بعض الاحيان، مرحلة الصعود الى البداية، الى الاستقلال المادي والتكوين الاسري ثم المناصب المتدرجة.
عالقاً هناك ، حيث الاخرين الذين لا يفكرون الا في التفاهات بلا هدف دائم ولا أمل مرجو، يشعرك بأنك الكبير بينهم ولكنك مسجون معهم
الكاتب
حيث الذين عاشرناهم في ايام طفولتنا قد مضوا في هذا المسار ثم اصبحوا اعضاؤه الدائمين دونك أنته المترنح بين أشواك كومة حظك البائس ، تُراجع وتتصفح قوالب أعضاءها، تجد الجميع يتحرك والجميع يغير من مواضعهم والجميع يقفز الى الامام وأنته في محطة الانتظار لا أمل لك من الاقدام أو فرصة المشاركة للمنافسة وأن كنت على أكثر القوائم قبولاً ، الكل يمضى والكل يعلوا والكل يحقق الانجاز، سواك أنته الذي يحاط بك الكم من العراقيل والخطوط العريضه والحواجز المرتفعه.
عالقاً هناك ، حيث الاخرين الذين لا يفكرون الا في التفاهات بلا هدف دائم ولا أمل مرجو، يشعرك بأنك الكبير بينهم ولكنك مسجون معهم، تكراراً للمهام اليومية وتنافس في الالعاب الفارغة والتفكير المحدود الضيق الذي لا يتعدى عن وجبات الاكل وخروجات الليل الملُهية. لا تعرف بالظبط ما عليك فعله، الايام تمر بسرعة والعمر يمضي بقوة مذهلة دون تقدم، فقط تلك الالتزامات وتلك الواجبات التي تتضاعف بكثافة وتطفو فوق أكتافك متى التسليم والاستلام.
ولليأس بقية .. أكمل المقالة في الجزء الثاني : جرعة يأس في بداية النهاية