إن إلقاء نظرة فاحصة على التاريخ السياسي يسترشد بشهادات موثقة لعدد كبير من علماء التاريخ وهم يشيدون بالمهارات الفنية والإدارية لنساء انخرطن في إدارة الدول مشاركة أو انفرادا، فحقق نجاحات ارتقى بعضها إلى مستوى تغير معه تاريخ دول وأقاليم وتبدلت مصائر أمم وشعوب، تلك الإشادات التي تًوجت بالكفاءة السياسية لدى طيف واسع من النساء ، ارتقيْنَ العروش أو كنّ -لأسباب عديدة- وصيّاتٍ على من ارتقاها من الذكور، حتى إن إحداهن “دبرت الأمور أعظم من الرجال”!
الواقع أن ما يوصل إليه الرصد التاريخي في سُلطة النساء يؤكد أن باب القيادة السياسية ظل مفتوحا عمليا أمام النساء من كل الفئات في المجتمع العربي والإسلامي في التاريخ القديم والحديث، سواء من خلال القيادة المباشرة أو من خلف الحُجُب بمختلف أنواعها، بل ووصل الأمر بهن إلى قيادة مراكز حضارية كبرى.
تعد درجة المشاركة السياسية للمرأة في المجتمع ومستواها محصلة للتفاعل بين هذه الأنماط من الخطاب وناحية ثقافة المجتمع ودرجة تطور وعيه
فريق مُثلث
تُجمع أدبيات التنمية الحديثة على أن مشاركة المرأة في الحياة العامة هو السبيل الأنجح والأسرع لتقدم أي مجتمع؛ والمشاركة العامة تعني: المشاركة الاقتصادية في قوة العمل، والمشاركة الاجتماعية في الأسرة وعضوية مؤسسات المجتمع المدني بكافة أشكالها وأنواعها، وتعني المشاركة الثقافية في إنتاج الفكر، والفن، والأدب، وتهذيب الوجدان، وترقية الذوق العام. كما تعني المشاركة السياسية في عملية صنع القرار المحلي والوطني من خلال مؤسسات ومجالس صنع القرار التشريعي والتنفيذي.
وتعد درجة المشاركة السياسية للمرأة في المجتمع ومستواها محصلة للتفاعل بين هذه الأنماط من الخطاب وناحية ثقافة المجتمع ودرجة تطور وعيه؛ وهذا التطور هو ما سنتعرض له الحقائق السياسية اليمنية النسائية ولا يأتي هذا الأمر من فراغ؛ فحضور المرأة اليمنية تاريخيا في المجال العام يعدّ مقدمة طبيعية لتلك الظواهر.
يتقدم الزمان فتتعزز أكثر مشاركة النساء في السلطة وتدبير الشأن العام، حتى إنه لم تخلُ أغلبية الدول من وجود امرأة تشارك في الحكم بأحد مستويات ثلاثة: أن تنتزع من رجال الدولة الاحترام لآرائها فتكون مستشارة مؤتمنة، أو تزاحمهم في تصريف الشؤون العامة تخطيطا وتنفيذا، أو تغالبهم على العروش فتتولى بنفسها زمام القيادة والتفرد بالسيادة.
سُلطة النساء اليمنيات
علاقة المرأة اليمنية بالحكم راسخة في تاريخ البشرية، وقد حسبنا ما قاله لنا القرآن الكريم عن ملكة سبأ، التي تسميها المصادر الإسلامية بلقيس بنت شراحيل. وأنها حكمت اليمنيين (( وأوتيت من كل شيء ولديها عرش عظيم )) – أوتيت من كل ما يأتي إليه الملوك في العالم في وقت أقرب مما لديهم من الترس والآلة – فحكم هذه المرأة لشعبها دليل قاطع على أنها كانت في العقل والحكمة والرزانة بمكان، ولولا ذلك ما ولوها أبدا، فهذا أمر مشين عند العرب منذ الأزل،
أن تقاليد الحكم الرشيد القائم على الشورى ومجانبة الاستبداد كانت أحدى النماذج السياسية المبتكرة على يد أمراة مثل بلقيس والتي سبقت البشرية في الحكم الديمقراطي بالالف السنين حتى خلّد القرآن الكريم قصتها كملكة سبأ التي أسلمت وانضوت تحت قيادة سليمان الكبيرة، فكان ذلك بداية سابقة يمنية بالغة الدلالة تلهم على مَرّ القرون نساء اليمن وغيرهن من الطامحات للمشاركة في الشأن العام وتصريف شؤون الدول تدبيرا وإصلاحا.
ولايخفى شجاعة السيدة ” آزاذ ” والتي يُذكر أنها كانت امرأة حسناء جميلة، وهي مع ذلك مؤمنة بالله ورسوله محمد ﷺ، ومن الصالحات”؛ والتي تحالفت مع والي اليمن في العهد الحديث من الاسلام بأمر رسول الله الصحابي الجليل ( معاذ بن جبل ) بعد إدعاء زوجها ” الأسود العنسي ” نبوية في قرى نجران شمالي البلاد اليمنية على غرار النبوة الاسلامية ..كانت الجاهزية لدى السيدة “آزاذ” كبيرة للانقلاب على زوجها المتنبي استجابة لأوامر نبي الإسلام بشأنه، أذ انها خططت ورسمت مبادرة ناجحة لاغتيال زوجها بتخطيط مُحْكَم، قادتْ تنفيذها برابطة جأش أدهشت رجالها. ثم إنها استمرت عقب قتله تعمل مع رجالها للتعمية على ما حدث لصرف أنصار الأسود العنسي عن المبادرة بثورة مضادة.
الواقع أن ما يوصل إليه الرصد التاريخي في سُلطة النساء يؤكد أن باب القيادة السياسية ظل مفتوحا عمليا أمام النساء من كل الفئات في المجتمع العربي والإسلامي
فريق مُثلث
وترسيخا للريادة اليمنية في حكم النساء تُذكر أسماء بنت شهاب الصليحي وهي إمراة زوجة علي بن محمد الصليحي مؤسس الدولة الصليحية باليمن، وقد “كانت من أعيان النساء وحرائرهن وكرائمهن، بحيث تقصد وتمدح..، وكان الصليحي لما تحقق كمالها وكل إليها التدبير ولم يكن يخالفها في غالب أمرها، وكان يجلها إجلالا عظيما، حتى كانت متى حضرت مجلسا لا تستر وجهها بشيْء عن الحاضرين..، وفيها من الحزم والتدبير ما لم يكن في نساء زمانها”
والمشهورة “أروى” زوجة أحمد علي بن محمد الصليحي الملقبة بـ ( بلقيس الصغرى لرجاحة عقلها وحسن تدبيرها للملك وغيره ) أذ تخطت أروى الشأن السياسي بتوليها السلطة حين مات زوجها أحمد المكرّم الصليحي.. ثم انتلقت السلطة النسائية في اليمن . ففي الدولة الرسولية الأميرة الدار الشمسي ابنة السلطان الملك المنصور عمر بن علي بن رسول أذ أنها أدارت أزمة شغور منصب رأس السلطة الناجمة عن وفاة والدها في غياب ولي عهده أخيها المظفر،
كانت سابقة ملكة سبأ، كما ذكر أعلاه، ذكرى سياسية قوية للمرأة اليمنية، التي استمرت في تشديدها ورعاية طموحها إلى عرش السلطة وتولي حكم الممالك ؛ كان بلقيس مثالًا يمنيًا حيًا على التقليد والمقارنة مع أدلة الشاعر اليمني عمرو بن يحيى الهيثمي : قلت عندما أعطوا بلقيس عرشًا: * * داست أسماء من أعالي النجم اسمي!!