استقر في أعماقنا الصغيرة وخلال فترات دراستنا الإبتدائية أن الصيام فقط كي نشعر بالفقراء المحتاجين، والذين لا يستطيعون شراء الطعام الجميل، وعندما نجوع سنتذكرهم ونعطيهم من الخير الذي أرسله لنا الله.
ولكن عند عودتنا رأيت سيدة بسيطة تجلس فوق الرصيف في السوق وبجانبها فتاة صغيرة مثلي، عندما وقفنا لديها وأهديتها قطعة شيكولاته أخبرتني أنها صائمة وستتناولها بعد الإفطار.
كانت هذه المعلومة محيرة، سألت والدي ووالدتي: هل هذه السيدة تُعد من الفقراء؟ فأكدوا لي ذلك، فزادت حيرتي طالما هي من الفقراء فلماذا تصوم؟إن كانت حكمة الصوم أن نشعر بهم فلماذا يشاركوننا فيه؟ لماذا لا يفطر الفقراء ليستمتعوا في شهر رمضان بالأعطيات الربانية التي يرسلها الله لهم عن طريق الصائمين الأكثر تيسيراً؟
استقر في أعماقنا الصغيرة وخلال فترات دراستنا الإبتدائية أن الصيام فقط كي نشعر بالفقراء المحتاجين، والذين لا يستطيعون شراء الطعام
فريق مُثلث
ظلت هذه الحيرة تكبر معي بلا إجابة لسنوات حتى كبرت ونسيت الأمر، فالخطاب العام لكل من حولنا يتحدث عن الشعور بالفقراء، ليس الأمر تأصيلاً دينياً، ولكنه أشبه برأي عام تتداوله الأجيال.
في رمضان آخر بعد سنوات سمعت رجلاً يخبر طفله الذكي المتسائل عن الشعور بالفقراء نفس الشيء، فعندما سأله الطفل: “لماذا نصوم؟” جاءت إجابة الرجل كالمعتاد: “كي نشعر بالفقراء”، فما كان من الطفل إلا أن سأل ببراءة: “وهل لا يملك الفقراء الماء؟” إن كنا نصوم لنشعر بهم فلما نصوم عن الماء كذلك وهو متوفر للجميع.
تذكرت أفكاري القديمة وبدأت أنتبه أن الاستسهال غذى حياتنا فلم نعد نتفكر، لست أهلاً للفتوى، وأؤمن بشدة بحديث “أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار”، ولكني أحب في هذا الشهر الكريم أن أتفكر كانسان وكمسلمة فيما يقوله البشر عن الدين وفي الخطاب السائد الذي يقدم بلا أي سند ديني من القرآن أو السُّنة.
رغم علمي أن مُصدري هذا الخطاب في الأغلب حسنو النية، فهم يحاولون إيجاد المبررات والأمور التي قد تحبب في العبادات ليَسهُل على الجميع القيام بها. ولكن ذلك في رأيي الشخصي، فعل جانبه الصواب، فالدين أكبر من ذلك.
ومحاولة وضع مبررات للطاعات والعبادات للحث على القيام بها ينتقص منها، فلا الصلاة ولا الصيام ولا الحجاب ولا أي عبادة مهما عظمت أو صغرت تحتاج إلى تبرير.
الشخص المُسلم المؤمن الذي اتخذ الإسلام ديناً، يتبع أوامر ونواهي دينه كما فرضه الله، قد يُقصر، قد يُخطئ ولكن يظل ذلك كله في نطاق الضعف البشري الذي يحاسبنا عليه الله بعلمه، إلا أن الأساس هو الإيمان بهذا الدين والتسليم لأوامر الله لنا.
فنصلي ونصوم ونتعبد امتثالاً لأمر الله، تقرباً له، حباً في الطاعات، ورغبة في إرضائه، وطمعاً في جنته، بل جزء من أيماننا أن الدنيا حُفت بالمكاره، وأن الإنسان خُلق في كَبد، لذا فنحن نتحمل المشاق في بعض الأحيان كي نرضي الله ونفوز بالأجر.
فأجري عن الصيام بالامتثال والتسليم للأمر الإلهي، والفوز بإذن الله بجهاد النفس وتحمل المشقة –إن وجدت- في الصلاة، ونداري جمالنا ونرتدي الحجاب تقرباً.
لا نفعل العبادات لأنها مفيدة، ولا لأننا سنستفيد في الدنيا من هذه العبادة، لا نعبد الله على حرف، فإن استفدنا عبدناه وإن انتهت الاستفادة نكثنا وتوقفنا، بل نعبده وإن كانت في العبادات مشقة، نعبده حباً وطمعاً وطاعة.