أستذكر حديث طه حسين في ستينيات القرن الماضي ممتعضًا من الزمن: ( مع الأسف الشديد، عصر السينما والتلفزيون والراديو والتمثيل يمنع الناس من القراءة. يأخذ عليهم أوقاتهم فلا يقرؤون. ) وأتذكر حين سمعته يقولها، توقفت، ونظرت إلى حالي اليوم مع كل الشبكات الاجتماعية والوقت السريع المتسارع. ولا أخفي عليكم كثير انزعاجي من حالي مع الوقت والسرعة.
وتذكرت مقولة لناظم حكمت، يحكي فيها حال سرعة الوقت: «لا يُشغل الموتى أُناس القرن العشرين أكثر من سنة.» فزاد انزعاجي من نفسي ومن جوالي ومن التواصل الافتراضي.
هذه أفكار شديدة الحساسية .. قد تكون مترابطة أو لا .. ولكنه الشعور بالعمر جعلني أوجز هذه السطور بكل عجل
الكاتب
في لمحة من الزمن .. أكتشفت أنني بلغت من العمر الكثير فيما يقارن بأشخاص كنت أقدم لهم طاولة إحترام الكبير والاستماع لهم .. أكتشفت أنني قد نلت من عمرهم وأنا لم أحظى بعد بعدد إنجازاتهم خلال فتراتهم العمرية .. الزمن يمضي بسرعة أكاد أفرط من شدة التفكير أين أنا وأين أريد أن اكون بعد كل هذه السنين دون شي يذكر ..
كنت أخفف على نفسي، فأقول إنَّ هذا حال البشرية. فقد كتب المؤرخ الفرنسي جول ميشليه في ( إن إحدى أخطر الوقائع وأقلّها ملاحظة، أنَّ حركة الزمن قد تغيّرت تغيرًا كليًّا؛ فقد ضاعف الزمن من خطواته بطريقة غريبة. ثورتان، إقليمية وصناعية، خلال فترة حياة إنسان وحسب.)
وكتب شاتوبريان: ( بدأتُ كتابة المقالة عام 1794 وكنت أمحو بالليل ما كتبته بالنهار. فالأحداث كانت أسرع من قلمي. كنت أكتب على سفينة أثناء العاصفة، وأزعم أني كنت أرسم ما يشبه أشياء ثابتة.)
لكني أعود بين حين وآخر إلى مقالة لبول قرام عن الحياة القصيرة السريعة. يقول: ( نعيش حياة تعتقد أن كلّ ما فيها من حولك جزءٌ من الحياة، إلى أن يزول… تتوقع وجود أمك حولك دومًا فتلهى عنها، حتى لا تعود تجدها حولك. أو تتوقع أنك تستطيع كتابة الكتاب في يومٍ ما، أو تنهي ماراثون، أو أي شيء تتوقعه جزءًا من الحياة ستستطيع الحصول عليه متى سنحت الفرصة. حتى تكتشف أن النافذة أغلقت.)
هذه أفكار شديدة الحساسية .. قد تكون مترابطة أو لا .. ولكنه الشعور بالعمر جعلني أوجز هذه السطور بكل عجل، أكتبها في عجلة من أمري كما أفعل كلَّ شيء في هذه الحياة. أعتقد أنّي ولدت وأمّي وأبي وأنا في عجلة من أمرنا. وسأموت وأدفن والكلُّ وأنا في عجلة من أمرنا.