-
21أغسطس2025

اقتصاد الكوارث.. الرأسمالية

إن وقت سفك الدماء هو الزمن المثالي، لإدخال التغيير الرئيسي في أسس المنظومة الاقتصادية.

سعيد باحشوان

في رشفة شاي من مُثلث

استمع على منصتك المفضلة

اقتصاد الكوارث.. الرأسمالية

إن وقت سفك الدماء هو الزمن المثالي، لإدخال التغيير الرئيسي في أسس المنظومة الاقتصادية.

سعيد باحشوان

في رشفة شاي من مُثلث

استمع على منصتك المفضلة

في الخمسينيات من القرن العشرين، تعاونت وكالة الاستخبارات الأمريكية مع طبيبٍ نفسي معروف يدعى (أيوين كاميرون) وقامت بتمويل أبحاثه التي ركزت على استخدام الصدمات الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين، وذلك من أجل تحويل أدمغتهم الى (صفحة بيضاء يمكن إعادة كتابة المعلومات عليها)!

راجع مقالة : إقتصاد الكوارث.. عقيدة الصدمة لفهم سياق الحديث هنا!

في أحد تلك المصحات النفسية بأمريكا، خضع المرضى لتجارب حرمان من الحواس الخمسة، كانت في أول الأمر بموافقة المرضى، ثم أصبحت التجارب إجبارية، وكان لهذه التجارب أثر بالغ على صحة المرضى، عانوا بعدها من الاضطرابات وفقدان الذاكرة، يقول الدكتور دونالد هب Dr: Donald Hebb: “لم يكن لدي فكرة عندما اقترحت هذا البحث، عن إمكانية التوصل لسلاح شرير ورهيب هكذا”.

مجموعة تقنيات مصممة لإدخال السجناء “المصادر المُقاومة” في حالة من الضياع و”الصدمة” بهدف إجبارهم على تقديم تنازلات رغما عنهم! في البدء تحرم الحواس تماما من استقبال أي معلومات بواسطة استخدام الأغطية وسطامي الأذنين والعزل التام الذي يجعلهم لا يشعرون بالليل أو النهار، من ثم يُعصف الجسم بمحفزات مفرطة القوة (أضواء مبهرة، موسيقى صاخبة، ضرب صدمات كهربائية).. ما يلبث حتى يستسلم السجين ويصبح عاجزا تماما عن التفكير. وغالبا ما يكشف معظم السجناء عن كل ما يريد مستجوبوهم أن يحصلوا عليه من معلومات أو اعترافات وقد يصل الأمر فعلا للتخلي عن معتقدات سابقة أصلا.

فريق مُثلث

توقف الدكتور هب عن العمل على البحث، وبالرغم من خطورة ما قاله إلا أن الدكتور الكندي “أيوين كاميرون” واصل البحث، فتطور الأمر على يده، وأصبح الهدف هو محو أدمغة المرضى وإدخال أفكار جديدة، فركز كاميرون على تدمير الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام، استفادت ـوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “CIA” من أبحاث الدكتور كاميرون، فعرّضت المعتقلين للصدمات، حتى يكون المعتقل قابل للتعاون، وللتخلي عن أفكاره، وفي سبيل ذلك استخدمت الضرب والتعذيب والصعق الكهربائي والكلاب لصدم المعتقلين.

قام كاميرون خلال نهاية بحثه بمحاولة إلغاء ذاكرة المرضى عن طريق الصدمات الكهربائية والمهلوسات والعزل التام، ومن هذه التجربة استقى عالم الاقتصاد الأمريكي ميلتون فريدمان المثير للجدل إحدى افكاره ونظرياته الشيطانية والتي تشرح كيف يمكن للحكومات أن تفتعل الكوارث والأزمات مستخدمةً ما يُسمى بـ (العلاج بالصدمة الاقتصادية)!

ميلتون فريدمان وإقتصاد الكوارث

يقول ميلتون فريدمان، عالم الاقتصاد الأمريكي اليميني: «وحدها الأزمة سواء الواقعة أو المُنتظرة بإمكانها أن تحدث تغيرًا حقيقي».

ميلتون فريدمان، المرشد الأكبر لحركة الرأسمالية المتوحشة السائبة، صهيوني اشتهر كفيلسوف للعلوم الاقتصادية بجامعة شيكاغو، وأحد أبرز منظري الاقتصاد خلال القرن العشرين، نال جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 1976، وأسس لما بات يعرف لاحقا ب” أعصابة شيكاغو، أو مدرسة شيكاغو”، وهم التلاميذ الذي تأثروا بفكر فريدمان في التوجه الاقتصادي، ومنهم المحافظون الجدد: “بريمر، كيسنجر، رامسفيلد،  جورج بوش الابن، جورج شولتز، ديك تشيني، ولفوويتز، بول بريمر”. وفكرة فريدمان تتلخص في إبعاد الدولة كلية عن الاقتصاد، وفتح السوق على مصراعيه أمام الشركات ورجال الأعمال، والدوس على أفكار المدرسة الكينزية، التي ظهرت عقب الأزمة الاقتصادية سنة 1929، ودعت لتدخل الدولة للجم الاحتكار ومواجهة تغول الرأسمالية.

كان فكر فريدمان والذي تتلمذ على يده أغلب المفكرين الاقتصاديين وزعماء الدول والسياسيين، قائمًا على استغلال الأزمات ورأسمالية الكوارث؛ وعلى مدار ثلاثة عقود كان فريد واتباعه يعززون تلك الإستراتيجية؛ «انتظار وقوع الكارثة»، وبينما يعاني المواطنون من الذهول إزاء الصدمة، يمرر اللاعبون سياساتهم، باعتبارها «إصلاحات» اقتصادية طويلة الأمد. وحدها الأزمة – بحسب فريدمان – قادرة على جعل المستحيل في السياسة، حتمية سياسية.

رؤية فريدمان

يعمل مذهب الصدمة، كما يستغل الكارثة أو “يصنعها” سواء كانت هجوما إرهابيا، أم إعصارا أو انهيارا اقتصاديا أو ربما حربا لتطويع مجتمع بأكمله تماما كما تطوع الصدمات الكهربائية والأضواء المبهرة في زنزانة التعذيب، وتماما كما يحدث مع السجين في حالة هلعه بكشف كافة المعلومات والتنازل عنها، كذلك تفعل المجتمعات المصدومة بالتنازل عن أمور كانت ستدافع عنها بشراسة في أوضاع مغايرة.

إن رؤية فريدمان في هذه النظرية تتمحور في قوله: (الأزمات فقط، حقيقية أو متصورة، تنتج تغييراً حقيقياً). وبما أن الأزمات والكوارث تنتج تغييرات محورية ومهمة عند حدوثها فإنه يجب استغلالها لمصلحة الحكومة أو لتحقيق أهدافٍ معينة، حيث يتم استغلال هذه الكوارث سواءً كانت انقلابات عسكرية أو هجمات إرهابية أو انهيارات وتقلبات اقتصادية أو حروب أو حتى كوارث طبيعية كالأعاصير والزلازل والفيضانات والتسونامي وغيرها من أجل إقناع الشعب بقبول سياسات وقرارات اقتصادية معينة ليس من المتوقع أن يقبلوها في الحالات الطبيعية، فمن المقبول جداً على سبيل المثال في أوقات الحرب أن ترى الشعوب قد تخلت عن حقوقها وأموالها للحكومة مقابل أن تعيش!

مبدأ الانفتاح الاقتصادي!

مدرسة فريدمان تتطرف في الدعوة لترك الحرية الاقتصادية للرأسماليين، ومنحهم حرية التملك والعمل وإلغاء الحدود والعوائق واستبعاد أي بعد اجتماعي أو عاطفي أو إنساني، وخفض الإنفاق الحكومي وتسريح أكبر قدر من العمال من القطاع العام، وتسليم الإنتاج والتعليم والصحة للرأسماليين المقتدرين الناجحين، وهذا ما بات يسمى بالرأسمالية المتوحشة، أو “النيو ليبرالية”، وهي أبرز وجه وتفسير للاستعمار الحديث، الذي يهدف لفتح الدول أمام الشركات العملاقة العابرة للحدود، وفي سبيل ذلك لا مانع من توظيف جيوش الدول العظمى والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية “البنك الدولي، صندوق النقد الدولي”.

أنه الوجه الآخر للمجتمع الرأسمالي الغربي، الذي يتخفى وراء النظام لكي يستمر في ممارسة استغلال الشعوب الضعيفة بحسب كلاين.

ومن أجل فتح العالم المنغلق أمام جحافل الرأسمالية الغربية الزاحفة، يجب كسر وتحطيم بنياتها الاقتصادية والاجتماعية المحلية، ولا يتأتى ذلك إلا بمبدأ “المعالجة بالصدمة”، واقتباس الفكرة التي ولدت في مصحة نفسية، فيتم إنهاء النظم القديمة، وجعل الشعوب تتقبل التغيير، وتقبل صعود نخبة رأسمالية جديدة، وتتفهم سيطرة الشركات والرأسماليين على خيرات البلدان ومقدراتها، وضياع حقوقهم الرئيسية، مهما كان في ذلك من ثمن باهظ.

فريق مُثلث

المعالجة بالصدمة والذي هو مذهب رأسمالية الكوارث، القائم على استغلال كارثة ما، سواء كانت انقلابًا، أو هجومًا إرهابيًا، أو انهيارًا للسوق، أو حربًا، أو تسونامي، أو إعصارً، من أجل تمرير سياسات اقتصادية واجتماعية يرفضها السكان في الحالة الطبيعية، هي أساسا فكرة فريدمان، الذي نظّر لنقل مبدأ الصدمة من الأفراد إلى الشعوب عبر الكوارث كي تقبل بالتغيير.قامت بعض الدول بتطبيق العلاج بالصدمة على شعوبها المسكينة، ابتداءً بتشيلي ومروراٌ بإندونيسيا والأرجنتين والبرازيل وروسيا ووصولا إلى العراق وغيرها، جميعها كانت نتائجها كارثية.

إن وقت سفك الدماء هو الزمن المثالي، لإدخال التغيير الرئيسي، إنه الوقت الملائم لتثبيت أسس المنظومة الاقتصادية الجديدة، وهذه فكرة مستوحاة من كلام البارون روتشيلد خلال القرن الثامن عشر: “أفضل الأوقات لشراء العقارات حين تسيل الدماء في الشوارع”.

هذه النظرية والنزعة الأيديولوجية قد خدمت بنجاح مصالح الحكومات والشركات الكبرى في المجتمع على مدى نصف قرن، رغم أنها بدأت بالتلاشي بسبب زيادة وعي الأفراد والمجتمعات بمـا وراء السياسة الرأسمالية.

لكن ما سيأتي هو وضع نماذج تم استخدامها بنجاح خلال العقود الماضية وكيف تم تمرير معظم أجندة النظرية تجاة الدول التي تم تطبيقسياسيات فريدمن من خلالها وما يمكن ان نستستخة من التجربة في واقع الحرب اليمنية اليوم : اقتصاد الكوارث .. اليمن نموذج

اقتباس مؤجز

من أجل فتح العالم المنغلق أمام جحافل الرأسمالية الغربية الزاحفة، يجب كسر وتحطيم بنياتها الاقتصادية والاجتماعية المحلية، ولا يتأتى ذلك إلا بمبدأ "المعالجة بالصدمة"

مكتب مُثلَث

اقتباس مؤجز

من أجل فتح العالم المنغلق أمام جحافل الرأسمالية الغربية الزاحفة، يجب كسر وتحطيم بنياتها الاقتصادية والاجتماعية المحلية، ولا يتأتى ذلك إلا بمبدأ "المعالجة بالصدمة"

مكتب مُثلَث

إشَارَات وإطلاعات

المزيد من المقالات

إن الليبرالية الجديدة تصلي كل يوم من أجل أن تقع كارثة، بالخشوع نفسه الذي يصلي به المزارع

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع: 22 دقيقة

لكن الضراوة العشوائية للهجوم على اليمن لا يمكن تفسيرها بهذه الدوافع المفترضة.

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع : 26 دقيقة

شكلت الآلة الاعلامية للحرب الراهنة وعي جمعي خطير عن شكل الدولة وطبائع الشعب

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع: 18 دقيقة

لماذا بقيت ثقافتنا العربية باليمن رهينة ممارسات تقليدية، بدون أن تمنح نفسها فرصة الانفتاح !؟

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع : 28 دقيقة

أعتقد أن هناك حاجة عاجلة وضرورة زمنية ومطلب جيلنا، نحو تحسين الوجه الحضاري للهوية اليمنية

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع: 19 دقيقة

هناك فجوة كبيرة جداً بين المشاريع الوطنية وبين تلك التي تقوم عبر المساعدات الاجنبية الخارجية

مُنتج من مُثلث

مدة الاستماع: 15 دقيقة

نقوم بإعداد المزيد من الإثراء

من عمق الظلام يخرج النور، ومن عمق الظلم يخرج العدل، ومن عمق القسوة تخرج الرحمة

مدة الاستماع: 20 دقيقة

مُنتج من مُثلث

أنني على يقين أن أسطورة زمن الفن الجميل ستبقى متكررة لكل زمان مثل أي وقت آخر

مدة الاستماع: 18 دقيقة

مُنتج من مُثلث

لم يكن العبث عشوائيًا، بل كان المبرر الذي جعل الرجل الإمبريالي يشرعن تدخله في اليمن

مدة الاستماع : 23 دقيقة

مُنتج من مُثلث

في الاعوام العربية الأخيرة، طفحت على ساحاتنا الواقعية وهم الإنجازات الفقاعة والكاذبة

مدة الاستماع: 16 دقيقة

مُنتج من مُثلث

نقوم بإعداد المزيد من الإثراء
مُثلث / منصة الإثراء العربي

أهلًا بك رفيقاً لنا في مُثلث

ستصلتك رسالتنا الأولى الى بريدك الإلكتروني على الفور . تحقق من صندوق البريد العام الخاص بكم لتتمكن من الإطلاع على صيغة إشتراكّ .. إذا لم تجدها ابحث في رسائل SPAM وتأكد لتُحرريها لصيغتها الرسمية حتى تتمكن إستلام أشعارتنا وجديدنا باستمرار.
اذا لم تتمكن من إستلام اي رسالة إشتراك.
تواصل مع فريقنا المختص على : hala@muthalth.net

"باقة حالمة، وفريدة من نوعها، ومدروسة،
ودائمًا ما تكون مبهجة في بريدي الوارد."

مالك اسحاق