على الصعيد الشخصي، وفي خضم ما يحدث مِن حولنا في هذا الكوكب، أستطيع القول إنّني، على المدى القريب والمتوسط، قد لا أعرف ما الذي أريده من هذه الحياة البائسة، لكنني وبكل تأكيد أستطيع أن أعدِّد الأشياء التي لا أريدها. كما أنني أستطيع القول، وحتى الجزم، إنّ الآلاف من الأشخاص حول العالم، الآلاف من أقراني في العمر على الأقل، يشاركونني الأشياء التي لا يريدونها من هذه الحياة.
لا أريد أن أسمع فيروز في الصباح، ولا أريد أن آكل المخلل مع الفلافل، كذلك لا أريد أن أتناول مكدوساً محشواً بجوز على الفطور
الكاتب
لا أريد مثلاً، أن أُصنَّف في أي إطار، أقصد أنّني لا أريد أن أُعامل على أساس دين والديّ أو على أساس قوميتيهما. لا أريد أن أكون عبداً لأحد، مثلاً؛ لا أريد أن أعيش في كنف نظام أحمق.
لا أريد أن يُغيّب أبناء جيلي عن القصيدة، عن الحياة. لا أريد أن نُبعَد عن أحلامنا، وأن نرسم لأنفسنا أوطاناً في الفراغ. لا أريد من هذا العالم ألا يأبه بترهاتنا. لا أريد أن تُبنى جدران عالية، ولا أحبّ الأبواب المقفلة. لا أريد أن نصمت، ولا أريد لليلِ أن يقتل صوتنا.
لا أريد أن آكل الآن بيتزا ساخنة؛ إذ إنّني أفضِّلها باردة. لا أريد أيّ سلطة في العالم، حتى لو كانت سلطة فريق كرة قدم في إحدى الحارات الشعبية. لا أريد أن أنسى أن كرة القدم هي من أجمل الأشياء فوق هذه اليابسة. لا أريد أن أقلي البطاطا في بيتي؛ كي لا تبقى رائحة الزيت معشعشةً بين جدران المنزل يوماً أو يومين.
لا أريد أن أسمع فيروز في الصباح، ولا أريد أن آكل المخلل مع الفلافل، كذلك لا أريد أن أتناول مكدوساً محشواً بجوز على الفطور. كما أنّني، بالتأكيد، لا أريد أن أستمع إلى خُطب المؤمنين ودعواتهم لي بالتقوى والصلاح. لا أريد أن يبشرني أحدهم بجنة أو بنار، ولا أريد أن أعرف تفاصيل الماسونيّة السريّة.
لا أريد تقييمات العالم ونصائحه. لا أريد وصفات جاهزة للعيش. لا أريد نقوداً، فأنا أعلم أن المال مُفسد غرّار، وأن الإنسان يتأوّل لنفسه ليصوغ ذلته. لا أريد أن أكون في صف الأقوياء، فهؤلاء طغاة يقدّرهم الناس أكثر مما يشفقون على الضعفاء المساكين.
أستطيع أن أعدد الـ”لا أريدات” حتى الصباح، لكن ما الفائدة من كلّ هذه الكلمات؟ ما فائدة كل الكلمات التي نكتبها؟ هل حقاً نساهم في التغيير؟ أودّ أن أصدق هذا. ما “أريده” هنا الآن هو أنني “لا أريد” أن تطفو هذه الكلمات والمقالات والنصوص في الهواء، وتمر دون أن تُقرأ أو أن تترك أثراً أو أن تساهم في تغيير عفن هذا الكوكب.