هناك مئات الصور لمدن في البلدان العربية الكبرى خلال العقد الأخير تحشوها الكآبة والسواد، مملوءة بدرجات الدمار الهائل لمساكنها وشوارعها وحتى مواضع الإيواء الإنسانية -المستشفيات والمدارس ودور العبادة- لا يمكنك أن تعرف الفرق مع هذه الصور المتفرقة من بين أكثر العواصم والحواضر العربية.. المستفيد واحد وهو ضرب العمق الإستراتيجي العربي بأعنف صورة لتأتي هذه اللحظة والتي يكون فيها الشرق الأوسطي مجرد منطقة من بلدان محصورة خاضعة تحت وطأة الركام والفشل الإقتصادي والإجتماعي والسياسي ..
راجع المقالة: لحظاتٌ فارقة لكنها مُتكرّرة! لأستكمال الفكرة
نتذكر أبطالاً نعرفهم وأخرين مجهولين في تاريخ تحررنا ارتدوا البزة العسكرية وشرّفوها ..تبعث هذه الأزمة ( الغزاوية ) منظر هؤلاء الضباط العرب الصورة الكاملة للتقيّؤ.. يرصعون صدورهم بنياشين كثيرة لا تدري علاّم أخذوها وأنت تعلم أو قد شاهدت أن أكبر معاركهم كانت صفعة بائع شاي على الرصيف العربي أو مالك خضار لم يتملك التصريح الكافي لبيع بضاعته وعلى مرمى حجر من مكاتبهم مدينة تُباد
أعلى مراتب البؤس هي ما تعيشه الشعوب العربية حالياً، حيث لا يمكن تصور بؤس آخر أشد وطأة مما هو عليه الآن في المنطقة العربية. تشهد العديد من مناطق العالم صراعات ونزاعات، وتعرف كل دول العالم حوادث متفرقة وأحداث عنف متباينة. البشر بطبيعتهم يختلفون ويتنافسون ويتصارعون، وصولاً إلى أن يعتدي بعضهم على الآخر ربما حد القتل.
لكن العالم العربي يعيش وضعية خاصة، فالصراعات لا تستثني، تقريبا، أياً من دوله. الشعوب في الداخل منقسمة على نفسها بأشكال متباينة، بعضها يعيش عنفاً متبادلاً مثلما هي الحال في سورية وليبيا واليمن والعراق، وبعضها يعاني عنفاً نظامياً ضد الشعب أو فئة منه مثلما هي الحال في مصر. بل إن معظم الدول تتصارع مع جيرانها، أو تعتدي عليها بأشكال مختلفة، وبعض الحالات شهدت عدواناً صريحاً، وبعضها عرفت تدخلات متباينة، صريحة أحياناً وخفية في معظم الأحيان.
من عبثية المشهد، إن في وسط كل هذه الأحداث الجِسام، فيه مجموعات في مواقع التواصل الإجتماعي ضالعة في صراعات أخرى لنوع أخر كـ : أنظر الى بلدك الأول.. لأ أنا بلدي أفضل حالً من بلدك..
فريق مُثلث
فمثلاُ في هذا السياق الزمني البائس من العدوان على غزة .. مامعنى أن تكون لتلك الجغرافية الفلسطينية ( غزة ) حدود مع دولة عربية ومسلمة ولا تستطيع الأخيرة أن تفتح معبرها أو حدودها البرية لتدخل المساعدات والقوائم الطبية والإحتياجات الاساسية لأغاثة شعب مستضعف محاصر مُنذ سنين مهدد بالإبادة ؟ المعنى الحقيقي واحد لا شريك له .هذه الدولة محتلة اكثر من فلسطين نفسها وأن غزة هي البقعة الوحيدة التي لم تتعرض بعد للاحتلال .وشعوب المنطقة لا يمكتهم مناصرة غزة مالم يتحرروا ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنظمتهم ودولهم ومجتمعاتهم.
صحيح أن الإبادة التي نشهدها اليوم في حق أهل غزة زادت من تعرية البؤس الذي يعتري الانظمة العربية وعمالتها, لكن هذه الأنظمة ذاتها ستوظف تواطؤ الغرب على غزة لصالحها حين تصدر من هذا الغرب تقارير تتهمها بانتهاكات حقوقية. ستقول تلك الانظمة الديكتاتورية العربية لشعوبها كيف تثق بتقارير الغرب المتواطئ على فلسطين ؟ وكلاهما عاهران في عالم السياسة.
حين تناقش أحداً حول ضرورة الفعل العربي لوقف هذه الإبادة يقفز مباشرة ليقول لك .. أيعني هذا أنك تريد للعرب الدخول في الحرب ؟ يقولها وترتسم على شفتيه ابتسامة الانتصار في المحاججة .. لك أن تتخيل تقزّمنا كدول وحضارة إلى أين وصل : مجرد فكرة الحرب أصبحت مستحيلة وتقدم باعتبارها حُجّة مفحمة .. ربما كنا الدول الوحيدة التي أعلنت أنها خاضت آخر الحروب. لا توجد دولة مهما كان ضعفها تقول هذه الجملة، لأن هذا يعني أنها تفقد جوهر وجودها ومصدر شرعيتها الأولي وهو حماية الأمّة. إذا أنت تحرّم حتى التفكير في المواجهة، ما قيمة الاستقلال أصلًا في هذه الحالة؟!
من عبثية المشهد، إن في وسط كل هذه الأحداث الجِسام، فيه مجموعات في مواقع التواصل الإجتماعي ضالعة في صراعات أخرى لنوع أخر كـ : أنظر الى بلدك الأول.. لأ أنا بلدي أفضل حالً من بلدك..
بينما الغرب يرى المنطقة كلها على بعضها إنها منطقة يعيش فيها “العرب”، ويتحدث عن كل شعوب دول المنطقة وفق تصنيف جامع ووحيد وهو: “العرب”..! ( المنقطة الميؤسة والبائسة والخالية لحد تعبيرهم من نماذج البشرية )
أعلى مراتب البؤس هي ما تعيشه الشعوب العربية حالياً، حيث لا يمكن تصور بؤس آخر أشد وطأة مما هو عليه الآن في المنطقة العربية.
فريق مُثلث
اللحظات الفارقة في المنطقة العربية وخلال العقدين الأخيرين، تكاد تتشابة كثيراً بل اصبحت مُتكررة بشكل أدق ، فلا تخلو تبعات أزمة في عاصم عربية هنا عن نسيج تفاصيل تبعات أزمة اخرى في عاصم أخرى هناك، مابين تأثير أزمات سوريا والعراق واليمن وليبيا وردود الأفعال المتصدرة حينها تبين أن الانسان هو الانسان ، لا يوجد ما يسمى مواطن ابيض و أسمر ، حين تدرك حجم التأثير الأعلامي حول أزمة من أخرى والتي قد تحدث في منطقتك بين طرفين من نفس لغتك و دينك و ولا تعلم عنها شيئ .. فلا تنتظر من المواطن الابيض أن ينتصرك حول تلك البارزة في جدول أيامك ، الاعلام هو من يبرز الحقيقة او يخلقها او يطمسها و الناس توابع له.
في فيلم موسيقانا (2004) يتحدث محمود درويش لجودار عن المهزوم والمنتصر، وعن تجلي المشاعر الإنسانية الكبيرة والشاعرية في الهزيمة أكثر من النصر. قائلًا لصحفية إسرائيلية “لقد ألحقتم بنا الهزيمة.. لكن منحتمونا الشهرة (…) إن شعبًا بلا شعر هو شعب مهزوم”.